مشاكل الحياة بين المعالجات والآهات
يود الانسان ان يعيش حياته دون مشاكل او صعوبات، وان لا تعترض طريقة عوائق وعقبات، بيد ان القسم الاكبر من المشاكل التي يواجهها انما تنبع من ذاته، وتحصل بسبب نواقصه واخطائه، وبإمكانه تجاوزها بمزيد من المعرفة والاستقامة والاجتهاد. وهذا ما تشير اليه آيات عديدة في القرآن الكريم، تحمل الانسان فردا ومجتمعا، مسؤولية ما يقع عليه من نكسات وآلام، يقول تعالى: ﴿وماأصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾.
وهناك قسم من المشاكل تقتضيها حكمةخلق الحياة، فإن الانسان ينطوي على مخزون من القدرات والطاقات، ويحتاج الى دوافع وحوافز تستثير امكاناته، وتستنهض قواه، وغالبا ما تلعب المشاكل والتحديات هذا الدور في حياة الانسان، فالحاجة ام الاختراع والمشكلة تدفع إلى التفكير والحركة، وما الاختراعات العلمية، والانجازات الصناعية، في مخلتف المجالات إلا استجابة من الانسان للتحديات التي شعر بمواجهتها، وعاش تحت وطأة ضغوطها. لقد هيأ الله تعالى للانسان في هذه الحياة كل اسباب السعادة والكمال، حتى لا يعاني حاجة او نقصا، لكن ذلك مشروط بحركة الانسان وسعيه، وبالسعي والحركة تتفجر طاقاته، وتنصقل شخصيته، وتتسع مداركه وآفاقه، إلى جانب توفير متطلباته وتحقيق طموحاته. وبالتالي فإن لكل مشكلة حلا، ولكل داء دواء، وما على الانسان الا الاجتهاد في التفكير، والجد في الحركة والعمل، ليصل الى ما يريد، فبعض المشكلات تحتاج معالجاتها الى مستوى اعلى من النشاط، وبعض التحديات تستوجب بذل درجة اكبر من الجهد. وكمثال على ذلك فان امراضا كانت تفتك بالانسان وتودي بحياته، لكن كفاح العلماء المتواصل مكن الانسانية من التغلب على خطرها، عبر التلقيح وادوية العلاج كالجدري والحصبة والملاريا وامثالها. وهكذا في مجال مقاومة الحر والبرد حيث صنع الانسان وسائل التكييف والتدفئة، وفي مجال المواصلات والاتصالات وغيرها. فإن كل الاختراعات والاكتشافات، كانت من وحي الحاجة ومواجهة المشكلة.
هكذا يكون وجود المشاكل طريقا لتفعيل قدرات الانسان، وتنمية طاقاته, وحتى بالنسبة للانبياء والاولياء فان المشاكل التي تواجههم والآلام التي تحل بهم، هي التي تبرز كفاءتهم، وتظهر مقامهم المتميز، اضافة الى ما ينالون بتحملها من الاجر والثواب عند الله سبحانه. على ضوء هذا الفهم لطبيعة مشاكل الحياة، فان على الانسان ان لايستسلم ولاينهزم امام اية مشكلة او عقبة، بل عليه ان يعود لذاته، وان يفتش عن الخلل والخطأ الذي حصل منه، وأنتج المشكل، هل هو نقص في المعرفة والوعي؟ ام هو تقصير في الحركة والسعي؟ ام هو انحراف في الممارسة والسلوك؟ وعبر اصلاح ذاته، وتغيير نفسه الى الافضل، سيتمكن من تجاوز المشكل والتغلب عليه. كما يقول تعالى: ﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾. وكم من فرد كان يعيش وضعا مترديا، ثم تجاوزه الى حالة متقدمة، بعد أن غير ذاته، وأصلح الخلل في شخصيته؟ وكم من شعب كان يعاني التخلف والاضطهاد، ثم حقق تقدمه، حينما قاوم عوامل الضعف ؟ واذا كان المشكل قد انتجته ظروف واوضاع خارجية، فان الانسان اذا ما استثار فكره، واستنهض ارادته، واستجمع قواه فسيجد له من امره فرجا ومخرجا. ذلك ان المشكل ليس قدرا مفروضا، ولا حتمية ابدية، بل هو كأي وضع او حدث قابل للتغيير والزوال، ضمن اطار سنن الله في الكون والحياة. اذا فلا داعي للانهيار امام المشكل، ولا الاستسلام والانهزام امام التحديات، بل يجب شحذ الهمة، وحشد الجهد والطاقة، بالتوكل على الله تعالى والثقة في رحمته. وبهذه الحقيقة نطقت آيات الذكر الحكيم لتشيع في نفوس البشر الامل والتفاؤل، وتعزز في قلوبهم الثقة والارادة، وتدفعهم للبحث عن وسائل التغيير والتطوير.
يقول تعالى: ﴿فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا﴾ ويقول تعالى: ﴿سيجعل الله بعد عسر يسرا﴾ وما أروع هذه الأية الكريمة التي تعبر عن مفهوم عظيم، وتنبئ عن حقيقة هامة: إن كل عسر يبشر بيسر، وإن كل مشكل يكون بابا وطريقا إلى مكاسب وإنجازات، إذا ما استجاب الانسان للتحدي، وتعاطى مع المشكل بايجابية ووعي. وفي آية اخرى يقول تعالى: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا﴾ والتقوى هنا بمفهومها الواسع الشامل والتي تعني مراعاة القوانين والسنن الطبيعية والشرعية، والمتقي بهذا المعنى لايجد نفسه امام طريق مسدود، بل يبتكر الحلول، ويجدد المحاولات، للخروج من اي مشكل او مأزق. كما ان مفاهيم الاسلام التي تحرم اليأس والقنوط. إنما تريد ان تخلق في نفس الانسان روح الأمل، وقوة الإرادة، حتى لايستسلم ولا ينهزم أمام المشكلات. فالقنوط تكريس للخطأ والسوء، ومن يتصف به يضل عن طريق التقدم والصلاح ﴿ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون﴾ وإذا ما سيطر الاستسلام واليأس على نفس الانسان ، فإنه يفوت عليه فرص التغيير والخلاص، كما يقول الامام علي : «في القنوط التفريط».
الف كثير من الناس كأفراد ومجتمعات ان يجروا الآهات، ويتباروا في اظهار التألم من وقع المشكل وتأثيراته، فأدباؤهم ينظمون اشعار الحزن والاسى، وكتابهم يتفننون في توصيف النكبات والآلام، ومجالسهم تبدأ ولا تنتهي في التباكي على المصائب، وابراز التبرم من مشاكل الواقع، ويبقون يراوحون مكانهم، ويستمرون في دوامة التأوه والتألم. ولكن هل البكاء مجد في تغيير الواقع السيئ؟ وهل تكرار الحسرات وجر الآهات يعالج المشاكل ويحلها؟ أم انه مجرد تنفيس لاراحة النفس بشكل زائف، ولتصريف الحماس والانفعال بطريقة خاطئة؟
ان البكاء سلاح العاجز، والتظلم وسيلة الضعيف، وهي طريقة متخلفة في التعامل مع تحديات الحياة، والموقف الصحيح يجب ان يبدأ من التفكير في طرق الحل، واستعراض وسائل المعالجة، ومن ثم اتخاذ قرار المبادرة للتصدي لمواجهة المشكل. فمثلا يتحدث بعض المتدينين في جلساتهم ومجالسهم عن انتشار المفاسد والانحرافات، وخاصة في اوساط الشباب والفتيات، ويزايدون على بعضهم البعض في ذكر القصص والاحداث السيئة في هذا المجال، وينعون حالة التدين، وانهيار الاخلاق في المجتمع، ويختمون جلستهم بالتأوه والتألم كما بدأوها، دون ان يتجاوزوا توصيف المشكلة الى تلمس طرق الحلول والمعالجات، ودون ان يطالبوا انفسهم بمبادرة ما، لصالح نشر القيم الدينية، وبث الوعي السليم، او استيعاب ابناء المجتمع في برامج ومشاريع نافعة مفيدة.
ان اي مجتمع لا يخلو من المشاكل والنواقص حتى في اكثر البلدان تطورا وتقدما، لكن المجتمع الواعي هو الذي يفكر في حل مشاكله ويسعى الى معالجة قضاياه، ولا يكتفي بتكرار الحسرات والآهات.