الشيخ الصفار: بناء ودعم الكفاءات قوة للمجتمع وتعزيز لمكانته

قال سماحة الشيخ حسن الصفار: إنّ بروز الكفاءات في أيّ مجتمع هو مكسب للهوية الاجتماعية، ذلك أنّ بروز صاحب الكفاءة المنتمي إلى أيّ مجتمع يعزّز موقع مجتمعه.
وتابع: الناس حين تشيد بالأوطان والمجتمعات إنّما تشيد بالكفاءات التي تزخر بها، كما تفتخر الدول بشخصياتها وكفاءاتها من العلماء والمخترعين.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة ٤ ذو القعدة 1446هـ الموافق ٢ مايو 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: بناء الكفاءات أولوية الإمام الصادق.
وأوضح سماحته أنّ الثروات والموارد المالية ليست هي العامل الأساس في تقدم المجتمع، بل الأفراد النوعيون، حملة العلم والفكر.
وتابع: الغثاء لا يصنع حضارة، وأن “رجلاً كألف” قد يكون أثمن من أمة مترهلة.
وعن دور الإمام جعفر الصادق في بناء الكفاءات قال سماحته: كان الإمام مهندسًا لمشروع حضاري يقوم على بناء الكفاءات النوعية وتفجير طاقات العقول.
وشدد على أن “نهضة المجتمعات لا تُقاس بالكثرة العددية أو وفرة الموارد، بل بنوعية الأفراد وكفاءاتهم العلمية والعملية”.
وتابع: الإمام الصادق جعل من صناعة الإنسان الواعي والمبدع أولوية قصوى.
وبيّن أن الرؤية القرآنية تتقاطع مع هذا النهج، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾، مبينًا أن “قيمة الإنسان في كفاءته، وليس في موقعه العددي وسط الزحام”.
وبيّن أن صور الاهتمام في مدرسة الإمام الصادق تتجلى في التحفيز لكسب المعرفة، واستقبال مختلف طلاب العلم، وتشجيع الكفاءات وابرازها.
ولفت إلى أن مدرسة الإمام الصادق خرّجت آلاف التلاميذ من مختلف الاتجاهات والمذاهب، واحتضنت تخصصات متنوعة شملت الفقه والكلام والكيمياء وعلوم اللغة وغيرها.
وذكر أن كتب التاريخ أشارت إلى أن عدد تلامذته والرواة عنه تجاوز أربعة آلاف شخص، ومنهم أسماء باتت ركائز في مختلف الحقول العلمية.
ومضى يقول: أدار الإمام الصادق ما يشبه «جامعة متخصصة»، يوزع فيها الطلاب بحسب ميولهم وقدراتهم: من يسأل في اللغة يحيله إلى أبان بن تغلب، ومن يستفسر عن الفقه يوجَّه إلى زرارة، ومن يناقش الفلسفة يُحال إلى هشام بن الحكم أو مؤمن الطاق.
وأبان أن الامام كان يدرب تلاميذه على التعمق في مجال محدد ليكونوا مرجعية فيه.
وتابع: نقرأ ذلك جليًا في قصة الشامي الذي جاء لمناظرة الإمام في موضوعات شتى، فأحاله على تلامذته كل في مجال اختصاصه، وهو درس بليغ حول قيمة التخصص وأهمية العمل الجماعي.
وأضاف أن الإمام الصادق كان يحتفي بالكفاءات المتميزة في مدرسته، ويمنحها الثقة، ويثنى عليها أمام الناس، ويدفعهم لتصدر الساحة العلمية والاجتماعية.
وذكر أن الإمام قال عن هشام بن الحكم: “مثلك فليكلم الناس”، وعن أبان بن تغلب: “أحب أن يُرى في شيعتنا مثلك”، وقال عن حمران بن اعين: "انه رجل من أهل الجنة"، وكان يوجه الناس للرجوع إلى هؤلاء العلماء والأخذ عنهم، مما عزز موقعهم، ورفع من مكانة العلم في مجتمعه.
وأشار إلى أن الإمام لم يُهمل الجانب الأدبي، بل كان يشجع على نظم الشعر الهادف، ويرى في الكلمة قوة ناعمة توازي قوة الحجة والمنطق. وتابع: كان الإمام يقول: “من قال فينا بيتًا من الشعر بنى الله له بيتًا في الجنة”، مشيدًا بشعراء مثل سفيان العبدي، وداعيًا إلى تعليم شعره.
وحثّ الشيخ الصفار المؤسسات الدينية والاجتماعية أن تضع “بناء الكفاءات” في صدارة أجندتها، مستلهمين من الإمام الصادق منهجه في تحفيز الشباب على طلب العلم، وتمكين أصحاب التخصصات، وتشجيع الإبداع، وتكريم التفوق.