في تأبين السيد عبدالرضا الشخص
قيمة أدبية وثروة من الخبرة الاجتماعية
بسم الله الرحمن الرحيم
حين تعرّفت عليه في أواسط الثمانينيات من القرن الميلادي المنصرم، وجدت فيه كنزاً من المعلومات والخبرة الاجتماعية، كنت بحاجة ماسة للاغتراف منها. ذلك أن من يتصدى للعمل الاجتماعي يجب أن يتكئ على رصيد من المعرفة والخبرة بخلفيات واقع المجتمع، وجذور التوجهات القائمة فيه، وطبيعة التضاريس والمعادلات في العلاقة بين القوى والأطراف الفاعلة المؤثرة.
ولأن مجتمعاتنا لا تعتمد الكتابة والتدوين في توثيق واقعها الاجتماعي، وخاصة ما يرتبط بالتفاصيل والخصوصيات في حياة القيادات الدينية والاجتماعية البارزة، فإن الكثير من أسباب وخلفيات ما يجري من أحداث وما يتخذ من مواقف في الشأن الاجتماعي يلفها الغموض والتعتيم.
فلا يدري الناس كيف يتخذ هذا القائد الديني أو الاجتماعي قراره وموقفه؟ وما هي الجهات والأطراف المؤثرة عليه؟ ولماذا اتخذ ذلك الموقف؟ وما هي حقيقة العلاقة بين هذا الطرف وذاك داخل الساحة الدينية والاجتماعية؟ بل إن كثيراً من الأحداث لا تتداول على حقيقتها بل تتأثر بآراء وأهواء أوساط الناقلين.
ويبقى المصدر المتاح لتلك المعرفة والخبرة هو العناصر القريبة من أوساط القيادات الدينية والاجتماعية، شرط الموضوعية في النقل والتحليل، والاستعداد للبوح والحديث الصريح.
وحين أقمت بجوار مقام السيدة زينب بنت علي (عليها السلام) في غوطة دمشق أواسط الثمانينيات من القرن الميلادي المنصرم، وتعرّفت على الفقيد الغالي السيد أبي عدنان (السيد عبدالرضا الشخص)، وجدت لديه ما كنت أبحث عنه، ففتح لي صدره وقلبه، وأولاني محبته وثقته، كان يقيم بعض الشهور هناك، حيث امتلك مزرعة قريبة من المقام، وكان يحضر بعض مجالس خطاباتي، فيغمرني بتشجيعه، ويفيدني بملاحظاته.
وكنت أحرص على زيارته وخاصة حين يخلو مجلسه من الزائرين، فأسأله عما يهمني من سير المراجع والأعلام والشخصيات التي عاصرها، وعن الأحداث والوقائع التي شهدها أو كان قريباً منها.
ولأنه نشأ وعاش في النجف الأشرف في حقبة زمنية تمثل العصر الذهبي للمرجعية الدينية فيها، والتي كان يمثلها المرجع الأبرز الراحل السيد محسن الحكيم، إلى جانب مراجع كبار آخرين، وكانت الحوزة العلمية في أوج ازدهارها ونشاطها الأدبي والثقافي، وحيث انبثقت الحركة الاسلامية العراقية المعاصرة في تلك الأجواء، وكانت الحالة الدينية والاجتماعية في منطقتنا الخليجية متأثرة بالأجواء والأوضاع النجفية.
والسيد أبو عدنان كان يعيش في القلب من ذلك الحراك الديني والاجتماعي في النجف الأشرف، لأن أباه الفقيه السيد محمد باقر الشخص ـ رضوان الله عليه ـ، كان محطّ ثقة المرجعية العليا، وكان يحظى باحترام مختلف الأطراف والأوساط، ويستشار من قبل كثير من الجهات، ويشارك في صنع بعض المواقف والقرارات.
كل ذلك أتاح الفرصة للسيد أبي عدنان لكسب خبرة اجتماعية كبيرة، وللاطّلاع عن قرب على مساحة واسعة من واقع الساحة الدينية، فبعض الاجتماعات المهمّة كانت تنعقد في دار والده كاجتماعات جماعة العلماء التي كان قطباً أساساً فيها، كما كان يرافق والده في معظم الزيارات واللقاءات، وكان زميلاً لعدد من القيادات والشخصيات العلمية والأدبية، في الدروس الحوزوية، وفي المجالس الأدبية التي كانت تزخر بها النجف آنذاك.
وهكذا وجدت فيه كنزاً غنيًّا ومصدراً مهمًّا لكثير من المعلومات والمعارف والتجارب الاجتماعية.
وما يمنحك الثقة في نقله وتحليله، حرصه على الموضوعية، وعلاقته الطيبة بمختلف الأطراف، فهو لا يقاطع أحداً، وإن اختلف معه في الرأي والموقف، ولا يتحامل على أحد، لاختلاف توجهه عنه.
وكان من أفضاله عليَّ ـ تغمده الله بواسع رحمته ـ مساعدتي في الانفتاح على بعض الشخصيات والجهات، حيث كان يشجعني على التواصل معها، ويسعى لتعريفي عليها، كان يصنع جسور المحبة والتواصل بين المؤمنين، ويستهجن أساليب العداء والمقاطعة، ويتحدث عن آثارها المريرة، ويراها سبباً للنكسات التي أصابت الحالة الدينية والحوزة العلمية في النجف الأشرف.
ولا أنسى الإشارة إلى ما كان يميّز مجلسه من الظرافة، والمتعة الأدبية،فهو شاعر رصين، وأديب بارع، ومتحدث لبق، يشدّ مستمعه، ويسعد جليسه.
رحمك الله يا أبا عدنان، وحشرك مع أجدادك الطاهرين، وجمعنا الله وإياك في مستقر رحمته، وحفظ الله أبناءك الكرام البررة، الذين أحسنت تربيتهم، فأصبحوا خير خلف لك، يخلدون ذكرك بصلاحهم، ويواصلون برّك بعطائهم وخدمتهم للدين والمجتمع.
حسن موسى الصفار
14 رمضان 1434هـ
23 يوليو 2013م