حوار مجلة المواقف البحرينية مع سماحة الشيخ حسن الصفار

عقيل بن ناجي المسكين مجلة المواقف البحرينية


في حديثنا مع فضيلة الشيخ حسن موسى رضي الصفار، العالم القطيفي المعروف الذي اختص به (المواقف) تحدث فضيلته عن العديد من القضايا والمواضيع التي تتعلق بالحرية في الإسلام والتعددية المذهبية وإمكانية التواصل والتحاور بينها.

كما تحدث الشيخ الصفار عن التطورات والإصلاحات الإيجابية التي تشهدها البحرين في العهد الجديد حيث أكد أن مبادرة سمو الأمير بالإفراج عن المعتقلين وتسهيل عودة القيادات الدينية والسياسية من الخارج وإتاحة الفرصة للتعبير عن الرأي وحل المشاكل المعلقة، كل ذلك يخلق أجواء مناسبة لتوطيد الاستقرار وتحقيق الوحدة الوطنية..

وفيما يلي الحوار:

التطورات السياسية في البحرين:

التطورات الإيجابية الكبيرة التي حصلت في البحرين أخيراً كيف تنظرون إليها وكيف تقرأونها؟

التواصل والتداخل الاجتماعي بين أهالي المنطقة الشرقية وشعب البحرين تواصل عميق، فوشائج النسب، وعلاقات القرابة، مستحكمة بين العديد من الأسر والعوائل في الجانبين، حيث أن بعض الأسر في المنطقة أصلها من البحرين، وكذلك هناك أسر في البحرين أصلها من المنطقة، إضافة إلى علاقات المصاهرة الكثيرة، وأساساً كانت القطيف والأحساء والبحرين منطقة واحدة تاريخياً، هذا التداخل والتواصل الاجتماعي، يجعلنا متفاعلين مع كل ما يحدث في البحرين، فهم أهلنا واخوتنا.

لذلك فمن الطبيعي أن نتفاعل مع هذه التطورات الأخيرة، وأن نتفاءل بها خيراً، فالتحديات الكبيرة التي تواجه أوطاننا وأمتنا تستوجب أعلى قدر من الوحدة والانسجام الوطني. ومبادرة سمو أمير البحرين بالإفراج عن المعتقلين، وتسهيل عودة القيادات الدينية والسياسية من الخارج، ومعالجة بعض المشاكل التي كانت قائمة، وإتاحة الفرصة للتعبير عن الرأي، كل ذلك يخلق أجواء مناسبة لتوطيد الاستقرار والأمن، وتحقيق الوحدة والانسجام.

وشعب البحرين بقواه الواعية الفاعلة يستحق كل خير، وكل تقدير واحترام، لصموده وتضحياته، ولتجاوبه مع مبادرات الأمير الطيبة. ونأمل أن تتطور الأوضاع في البحرين إلى الأفضل إن شاء الله بتحقيق كل ما يصبو إليه الشعب والحكومة من الآمال والتطلعات المجيدة.

التنوع المذهبي والوحدة الوطنية:

في دول مجلس التعاون الخليجي هناك تعدد مذهبي سنة وشيعة وأباضية، وضمن السنة هنالك موالك وحنابلة وشافعية، وضمن الشيعة هناك زيدية وإسماعيلية، فهل يؤثر هذا التعدد المذهبي على الوحدة الوطنية في هذه الدول؟

التعددية والتنوع ظاهرة قائمة في كل المجتمعات البشرية، فليس هناك مجتمع متجانس بالكامل 100%. فبعض المجتمعات تتعدد فيها الأعراق والقوميات، وبعضها تتعدد فيها الأديان، وبعضها تتعدد فيها المذاهب أو التوجهات السياسية. وقد تحدث القرآن الكريم عن التنوع العرقي والقومي واعتبره من دلالات القدرة الإلهية وعظمتها يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ.(الروم آية 22)

كما تحدث القرآن الكريم عن تعدد الديانات، واعتبره ظاهرة طبيعية في هذه الحياة، لأن الله تعالى قد منح الإنسان حرية الاختيار، وأودع في نفسه نوازع الخير والشر، ويوم القيامة هو يوم الفصل والحساب يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(الحج آية 17)

بل إن التنوع والتعدد ظاهرة كونية، فعلى مستوى كل المخلوقات والكائنات، هناك أصناف وألوان وأشكال، تدل على إبداع الخالق وقدرته يقول تعالى: ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ.(سورة الأنعام آية 141)

ومن الطريف في هذا السياق ما نشرته الصحف هذه الأيام حول احتفالات الهند بعيد (المانغو) والتي أصبحت تقيمها سنوياً منذ عام 1988م وتستمر يومين في شهر تموز (يوليو) فقد أشارت إلى أنه يوجد في العالم اليوم 1200 صنفاً معروفاً من المانغو، وفي الهند وحدها موئل لـ1100 من هذه الأصناف. (جريدة الحياة 13/7/2001م).

فنحن إذاً أمام سنة كونية وظاهرة اجتماعية طبيعية. ويقاس الآن وعي المجتمعات ونضجها، ومستوى تحضرها، بمقدار نجاحها في التعامل الإيجابي مع التعدد والتنوع الداخلي، فالمجتمعات المتحضرة المتقدمة تعتبر التنوع مصدر إثراء وإغناء لتجربتها الحضارية، فتحترم الخصوصيات لكل فئة وطائفة مهما كانت قليلة وصغيرة، وتخضع لقانون وطني عام على صعيد حقوق المواطنة وواجباتها، يتساوى فيه الجميع على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم.

أما في المجتمعات المتخلفة فغالباً ما يكون التنوع سبباً للظلم والحيف، بأن تجور فئة على أخرى، أو تصادر جهة حق سائر الجهات في ممارسة خصوصياتها، أو يفصّل ثوب الوطن على مقاس طائفة واحدة.

وفي دول مجلس التعاون الخليجي ليس عندنا تعدد في القوميات ولا في الأديان، فالمجتمعات الخليجية تنتمي إلى الأمة العربية، وتدين بالإسلام والحمد لله.

أما التنوع المذهبي فهو يعني الاختلاف في بعض التفاصيل المرتبطة بالمعتقدات أو الأحكام الفقهية، مع الاتفاق على أساسيات العقيدة، وأركان الدين، ومعالم الشريعة.

وهذا الاختلاف لا ينبغي أن يؤثر أبداً على الوحدة الوطنية، ما دام الجميع يؤمنون بدين واحد يدعوهم إلى الوحدة والتعاون، حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِي(الأنبياء آية 92) ويقول تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى(الأنبياء آية 92).

قضية التعايش والحوار:

تتحدثون في كتاباتكم وخطاباتكم كثيراً عن التعددية والتنوع والتعايش وعن أهمية التلاقي والحوار والتعاون بين أبناء الأمة بمختلف اتجاهاتهم ومذاهبهم فقد صدر لكم كتاب (التعددية والحرية في الإسلام) وكتاب (التنوع والتعايش) وكتاب (التطلع للوحدة) وكذلك المحاضرة التي ألقيتموها في الرياض أخيراً تحت عنوان (السلم الاجتماعي) ونالت اهتماماً وصدى واسعاً فما هو سبب تركيزكم على هذا الطرح، واهتمامكم بتأكيده؟


حديثي عن التعايش والتلاقي والحوار أنطلق فيه من مفاهيم الإسلام وتعاليمه، فالقرآن الكريم يشرّع للتعايش السلمي مع الكفار المخالفين لنا في الدين، ويشجع على التعامل معهم بعدالة وإحسان يقول تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(الممتحنة آية 8).

والقرآن يأمرنا أن نلتزم بأفضل آداب الحوار حينما نتناقش مع اليهود والنصارى في أمور الدين يقول تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(العنكبوت آية 46).

والقرآن يدعو المسلمين إلى عدم التنازع فيما بينهم حتى لا تهدر طاقاتهم وقدراتهم في الصراعات الداخلية، ويفشلون في إثبات وجودهم بين الأمم يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ(الأنفال آية 46) كما أنطلق في حديثي عن التقارب والتعاون بين أبناء المجتمع، من معطيات العقل والواقع، فنحن نعيش عصر العولمة والانفتاح، حيث أصبح العالم قرية واحدة، فهل من المعقول أن ننغلق تجاه بعضنا البعض؟ بينما تنفتح كل غرفة من غرف بيوتنا على العالم كله عبر أجهزة التلفاز وقنوات البث المباشر؟

ويدور الآن حديث عن حوار الحضارات والذي خصصت له هذه السنة من قبل الأمم المتحدة، فهل من المنطق أن نتحاور مع الحضارات الأخرى، ونتردد في الحوار الداخلي فيما بيننا؟

ثم إن الأخطار المشتركة التي نواجهها كأمة عربية وإسلامية ومن أبرزها تحدي العدوان الصهيوني الذي يسرح ويمرح في مقدساتنا، ويحتل أراضينا، وينتهك حرماتنا، ويقتل النساء والأطفال، ويهدم البيوت، ويحرق المزارع في فلسطين.. أليس من العيب والمخجل أن نتشاغل عنه بالخلافات الجانبية حول قضايا جزئية، وأحداث تاريخية، أكل عليها الدهر وشرب؟.

وهناك تحدي العولمة والحفاظ على الهوية، وتحدي التخلف العميق الذي نعيشه، ويجب أن نفكر في تجاوزه، وهناك المشاكل التي تواجهها مجتمعاتنا في كل المجالات والميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي نشترك فيها جميعاً، وتهدد واقعنا ومستقبلنا..

إلا يدعونا كل ذلك للاقتراب من بعضنا البعض، وللتعاون من أجل المصلحة المشتركة، والمستقبل الواحد؟

وإذا كنت أركز وأُكثر من تناول هذا الموضوع فذلك لما ألحظه من وجود تعبئة في بعض الأوساط باتجاه الخلافات والفتن المذهبية الطائفية، فبين فترة وأخرى تصدر فتاوى، وتوزع منشورات، وتلقى خطب، لإثارة النزاع المذهبي، ولتعبئة هذه الطائفة ضد تلك، ولاجترار مآسي الماضي، وخلافات التاريخ المنقرض، وهناك ممارسات طائفية من قبل البعض تهدد وحدة أوطاننا، وتشكل خطراً على السلم في مجتمعاتنا، لذلك يجب مواجهة هذه التعبئة وهذا التوجه ببث الفكر الوحدوي الصحيح، ونشر ثقافة الألفة والتعاون والإصلاح يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ(الحجرات آية 10) ويقول تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا(آل عمران آية 103).

مبادرات لاختراق الحواجز:

هل حصلت بالفعل لكم لقاءات مع علماء من سائر المذاهب الإسلامية في المنطقة؟ وهل وجدتم أرضية للحوار والتعاون معهم؟

بحمد الله تعالى فقد اجتمعت مع العديد من العلماء من مختلف المذاهب من السنة والزيدية والأباضية، ومن خلال تلك الاجتماعات واللقاءات أحسست بالحاجة أكثر إلى التلاقي والحوار، لأني وجدت أن معلومات كل طرف عن الآخر تعاني من التشويش والغموض في كثير من الأحيان، لأننا نتعرف على بعضنا من خلال كتابات المناوئين والمغرضين، أو عبر معلومات ناقصة وغير متكاملة، مما يجعل صورة كل طرف عن الآخر مشوهة ومبتورة، وأذكر أني اجتمعت مع أحد كبار العلماء من أهل السنة، فأثار بعض الملاحظات على الشيعة مستنداً إلى كتابات محب الدين الخطيب المصري وإحسان الهي ظهير الباكستاني، فقلت له: يا شيخ كيف تعتمد على انطباعات أناس مناوئين للشيعة؟ ثم إنك قريب من الشيعة، وتعيش معهم في بلد واحد، فلماذا لا تتعرف على واقعهم من خلالهم وهم يعيشون بجوارك بدل أن تأخذ المعلومات عنهم من مصر أو الباكستان؟

واعتقد أننا بحاجة إلى تكثيف المبادرات، واختراق الحواجز المصطنعة بيننا، لكي نتعرف على بعضنا بشكل مباشر، ولكي نتعلم على الحوار الصريح، ونتربى على قبول الرأي الآخر واحترامه مهما اختلفنا معه.

لقد أقمت في سلطنة عمان أكثر من سنتين في السبعينيات والتقيت مع بعض علماء الأباضية وأدبائهم، وكانت تربطني علاقة طيبة بالمفتي الراحل للأباضية الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري رحمه الله، ثم كانت لي علاقة بخلفه المفتي الحالي للسلطنة الشيخ أحمد الخليلي، وكذلك مع وزير العدل في تلك الفترة الشيخ هلال السّمار، ووزير الأوقاف آنذاك الوليد بن زاهر الهنائي وغيرهم. ومن علماء الزيدية في اليمن توطدت معرفتي وعلاقتي مع عالمهم الكبير السيد بدر الدين الحوثي، والعالم الفاضل السيد علي عبد الكريم الفضيل، والعالم المفكر الإسلامي المعروف السيد إبراهيم بن علي الوزير، كما التقيت وتواصلت مع العالم الأديب السيد أحمد الشامي الذي أصبح وزيراً للأوقاف لفترة قصيرة قبل سنوات، وآخرين من علمائهم وشخصياتهم.

وفي بلادي المملكة العربية السعودية زرت سماحة المفتي الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله واجتمعت معه مرتين بصحبة بعض المشايخ والأخوة من القطيف و الأحساء، كما التقيت فضيلة الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وفضيلة الشيخ محمد بن زيد رئيس المحاكم الشرعية في المنطقة الشرقية، وبين فترة وأخرى أزور رئيس وقضاة المحكمة الشرعية الكبرى عندنا في القطيف.

والحمد لله وجدت عند هؤلاء العلماء استقبالاً طيباً وأخلاقاً كريمة واستعداداً للتحادث والنقاش في ما يتعلق بمصلحة الإسلام والمسلمين.

العلاقات الداخلية:

وماذا عن العلاقات الداخلية ضمن المجتمع الشيعي، حيث تبرز على السطح بعض الأحيان خلافات وتشنجات بين أتباع التوجهات أو المرجعيات المختلفة؟

الشيعة كأي مجتمع بشري لا يمكن أن يكونوا ضمن قالب واحد، وعلى نمط واحد في التفكير والتوجهات، فعندهم كما عند غيرهم تعددية وتنوع في إطار مذهبهم، بعضها منبثق من اختلاف الرأي في المسائل العلمية الدينية، كما هو الحال في الخلاف بين مدرستي الإخباريين والأصوليين، وبعضها يعود إلى الاختلاف في المواقف السياسية والاجتماعية، إما بسبب اختلاف الرؤية والتقويم، أو لتضارب المصالح.

والمطلوب من الشيعة كما هو مطلوب من كل فئات الأمة أن يديروا خلافاتهم بالطرق السلمية، على أساس الحق في الاختلاف، واحترام الرأي الآخر، والاستفادة من أسلوب الحوار والتعامل الإيجابي، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية، والتعاون في المساحات المشتركة.

كلمة لشعب البحرين:

هل من كلمة أخيرة توجهونها لشعب البحرين عبر مجلة المواقف؟

إننا نتطلع إلى نجاح هذه التجربة الواعدة التي يعيشها إخوتنا وأهلونا في البحرين، ونأمل أن يحرص الجميع على إكمال مشوار الانفتاح والانسجام بين الحكومة الشعب، بحيث تعالج كل القضايا بروح إيجابية وطنية، وذلك لمصلحة الحكومة والشعب، والمنطقة كلها، من خلال أطر قانونية ثابتة، ومؤسسات ديموقراطية مستقرة.

ونأمل أن يستعيد شعب البحرين دوره الريادي في المنطقة على المستوى العلمي والأدبي فتاريخه حافل بالأمجاد العلمية والإنجازات الأدبية.

مجلة المواقف البحرينية، الاثنين 29 جمادي الثاني 1422هـ موافق 17 سبتمبر 2001 - العدد 1266.