نحو قراءة موضوعية للآخر

القراءة الصحيحة فيما بين الأطراف تؤسس للرؤية السليمة والتعامل الإيجابي، بينما خطأ القراءة ينتج سوء الفهم والتفاهم، ويؤدي إلى علاقات سلبية.

فكيف ينبغي أن نقرأ الآخر؟

هناك شروط هامة للقراءة الصحيحة من أبرزها القراءة المباشرة.

فإن قراءة الآخرين عبر الوسائط لا توفر للقارئ صورة واضحة دقيقة، لأن الوسيط قد لا يكون محايداً، فيتأثر نقله بموقفه المنحاز، وقد يكون اطلاعه ناقصاً، أو مصادره غير موثوقة، أو استنتاجاته غير صائبة، إلى ما هنالك من الاحتمالات..

ومادام الطرف الآخر موجوداً، والوصول إليه ميسوراً، وهو يرفع صوته معبراً عن ذاته وآرائه، فما هو مبرر الإعراض عنه، والإصرار على أخذ صورته من الغير.

اللهم إلا أن يكون هناك غرض للإدانة والتشويه.

إن بعض النقولات عن هذا المذهب أو تلك الطائفة، قد تكون فرية واتهاماً لا أساس ولا مصدر لها عندهم، لكنها تتداول عليهم لدى الآخرين كمسلمات ثابتة.

ويجد الباحث هذه المشكلة سائدة في أكثر الكتابات المتداولة عن العقائد والمذاهب.

أما الشرط الآخر فهو الموضوعية وهي أن تكون القراءة هادفة لمعرفة الآخر كما هو: على حقيقته: دون ميل أو انحياز مسبق، يجعل بصر القارئ زائغاً.

وكذلك تعني الموضوعية عدم إساءة التفسير لرأي الآخر وعمله، ما دام يحتمل وجهاً للصحة.

إن البعض يقرأ الآخرين متبرعاً بالتعبير عن نواياهم ومقاصدهم، فيشكك في الصحيح من أعمالهم: والظاهر من معاني أقوالهم، بأن لذلك معاني وأهدافاً أخرى. وقد نهى الله تعالى عن سوء الظن: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرًا مِن الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌسورة الحجرات آية 12.

جاء في سنن أبي داود عن رسول الله أنه قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث».

وورد عن الإمام علي أنه قال: «لا تظنن بكلمة خرجت من أحد سوءاً وأنت تجد لها في الخير محتملاً«.

يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي:

تجد الغلاة دائماً يسارعون إلى سوء الظن والاتهام لأدنى سبب، فلا يلتمسون المعاذير للآخرين، بل يفتشون عن العيوب، ويتقممون الأخطاء، ليضربوا به الطبل، ويجعلوا من الخطأ خطيئة، ومن الخطيئة كفرا!!

وإذا كان هناك قول أو فعل يحتمل وجهين: وجه خير وهداية، ووجه شر وغواية، رجحوا احتمال الشر على احتمال الخير، خلافاً لما أثر عن علماء الأمة من أن الأصل: حال المسلم على الصلاح، والعمل على تصحيح أقواله وتصرفاته بقدر الإمكان.

وقد كان بعض السلف يقول: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذراً آخر لا أعرفه!

من خالف هؤلاء في رأي أو سلوك ـ تبعاً لوجهة نظر عنده ـ اتهم في دينه فإذا أفتى فقيه بفتوى فيها تيسير على خلق الله، ورفع الحرج عنهم، فهو في نظرهم متهاون بالدين.

وإذا عرض داعية الإسلام عرضاً يلائم ذوق العصر، متكلماً بلسان أهل زمانه ليبين لهم، فهو متهم بالهزيمة النفسية أمام الغرب وحضارة الغرب.. وهكذا.

ولم يقف الاتهام عند الأحياء، بل انتقل إلى الأموات الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، لهذا أرى أن أول ما ينبغي أن نطرحه من طريقنا، لكي نقرب الأمة بعضها من بعض، هو: سوء الظن، وأن نغلب فضيلة حسن الظن فيما بيننا، كما هو شأن أهل الإيمان. (القرضاوي: الدكتور يوسف، مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية، ص 10 - 13، مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية وأثره في تحقيق وحدة الأمة، البحرين)


والشرط الثالث هو الاستيعاب وذلك بالاطلاع على مختلف أبعاد الرأي الآخر، أما الاقتصار على جانب واحد فهو يشكل قراءة ناقصة مبتورة.

ومن سمات القراءة الخاطئة أن يهتم القارئ بالاطلاع على ثغرات الطرف الآخر ونقاط ضعفه، ويتجاهل جوانب قوته، وموارد إصابته، فتكون الصورة حينئذٍ مشوهة قاصرة.

ومما يعنيه الاستيعاب معرفة الخلفيات الفكرية والتاريخية والاجتماعية التي أسهمت في تشكيل آراء ومواقف الجهة المقروءة. فذلك يساعد على الفهم الصحيح، والرؤية الواضحة.
 

الاربعاء 4 محرم 1425هـ الموافق 25 فبراير 2004م، العدد 11212