الجدّ والاهتمام طريق النجاح
يقول تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [سورة التوبة، الآية: 54]
الجدّية تعني الاهتمام بالأمور، والاجتهاد في أداء العمل.
ويقابلها التساهل، وضعف الاهتمام والتركيز في أداء العمل.
حين يتصف الإنسان بالجدّية في حياته، يتعاطى مع الأمور باهتمام، فيفكر في كلّ أمر يعنيه، ويجتهد في انجاز الأعمال والمهام، فيستنفر طاقته وجهده في أداء أيّ عمل يقوم به دون تباطؤ أو تسويف، ويؤدي العمل برغبة وإقبال، مما يرفع درجة الاتقان في العمل ويحقّق له النجاح.
أما عند فقدان الجدّية، فإنّ الإنسان يتعامل بتساهل ولامبالاة مع الأمور التي تواجهه، ويؤدي أعماله بدرجة منخفضة من الفاعلية والنشاط، وذلك ما يعرّضه للفشل والتخلّف.
والآية الكريمة قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [سورة التوبة، الآية: 54]. تتحدّث عن أداء المنافقين للصلاة والزكاة، دون جدّية واهتمام حقيقي، لذلك ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ﴾، وإذا قدّموا الزكاة فإنهم يفتقدون الرغبة والدافع الذاتي في أدائها ﴿وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾.
والكسل وضعف الرغبة الذاتية في أداء الأعمال والمهام، هما من أبرز مظاهر عدم الجدّية والاهتمام.
وحين نقرأ سيرة العظماء والناجحين في حياتهم، نجد أنهم يتميّزون بالجدّية والاهتمام، بينما تتسم حياة الأشخاص العاديين والفاشلين بقلّة المبالاة وضعف الجدّية والاهتمام.
الجدّية نظام الكون والحياة
إنّ الإنسان إذا تأمل طبيعة الحياة، يرى أنها قائمة على أساس من الجدّ والإتقان، تحكمها قوانين وسنن إلهية دقيقة لا مجال فيها للتسيّب والعبث.
يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة الدخان، الآيتان: 38-39].
وهذا يعني أنّ على الإنسان أن ينسجم مع نظام الكون، في حركة حياته، فيكون جادًّا غير لاهٍ ولا متسيّب في إدارته لشؤونه، وفي أدائه لأعماله. لأنّ كلّ حركة يقوم بها، وكلّ تصرّف وعمل يصدر منه، له نتائج وآثار، وتترتب عليه تبعات.
يقول تعالى: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [سورة ق، الآية: 18].
ويقول تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [سورة الزلزلة، الآيتان: 7-8].
إنّ وعي الإنسان بالحياة وشعوره بالمسؤولية، هو ما يدفعه نحو مسلك الجدّية والاهتمام.
الدين تربية على الجدّ والاهتمام
إنّ التعاليم الدينية تربّي الإنسان على الجدّ والاهتمام في مختلف الشؤون والأعمال التي يقوم بها.
إنّ الله تعالى يخاطب نبيّه يحيى بقوله: ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [سورة مريم، الآية: 12] أي التزام تطبيق ما جاء به الوحي بجدّية واهتمام وإرادة قوية.
وورد مثل هذا الخطاب لأتباع مختلف الشرائع السماوية، يقول تعالى: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية: 63].
ويؤكد تعالى على عباده المؤمنين أن يكونوا جادّين في أدائهم لعباداتهم الدينية، فيصف المؤمنين بالخشوع في الصلاة، يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [سورة المؤمنون، الآية: 2] أي إنهم جادون، وفي أعلى درجة من التركيز وهم يؤدون الصلاة.
ورد عن أمير المؤمنين علي : «إِنَّمَا لِلْعَبْدِ مِنْ صَلاَتِهِ مَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْهَا بِقَلْبِهِ»[1] .
ويحذّر تعالى من ضعف الجدّية في الالتزام بالدين، فذلك من صفات المنافقين ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [سورة الأعراف، الآية: 51].
وهذه الجدّية يجب أن تصحب الإنسان في مختلف أعماله، لتكون متقنة، حيث ورد عن رسول الله : «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ»[2] .
وورد عن أمير المؤمنين علي : «لاَ يُدْرَكُ اَلْحَقُّ إِلَّا بِالْجِدِّ»[3] .
وكما قيل: مَنْ جَدَّ وَجَدَ، وَمَنْ زَرَعَ حَصَدَ.
فقدان الجدّية من أمراض العصر
تشير بعض الأبحاث والدراسات الحديثة، إلى أنّ من مشاكل العصر: ظاهرة فقدان الجدّية وضعفها، عند أبناء الجيل المعاصر، فقد أصبحنا نعيش في عالم يركز على المتعة والترفيه، وتسوده اللّامبالاة تجاه القيم والمسؤوليات، وهناك اهتمامات كثيرة يواجهها الإنسان تسبب له التشتت الذهني وضعف التركيز.
ووفقًا لإحصائية (statista) سنة 2024م فإنّ الأمريكي البالغ يقضي في المتوسط 3.5 ساعات يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ومعظمها محتوى ترفيهي لا يعزّز الوعي أو التفكير النقدي.
وتتحدّث الدراسات عن ثلاثة أسباب لظاهرة الهروب من الجدّية:
1/ ثقافة (اللحظة) التي تعزّزها مواقع التواصل الاجتماعي.
2/ الضغوط النفسية والاقتصادية التي تجعل الإنسان يهرب من التفكير العميق.
3/ تسارع الأحداث والمعلومات مما يضعف حالة التركيز عند الإنسان.
إنّ من أهم ما يحتاجه الجيل المعاصر، التذكير بالمسؤولية في هذه الحياة، وأنّ الإنسان كائن مسؤول، لم يخلق لمجرّد اللهو والراحة والترفيه.
يقول تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [سورة المؤمنون، الآية: 115].
والمطلوب إعادة التوازن إلى نفس إنسان العصر، بين العيش اللحظي والتفكير المستقبلي، وبين الاستمتاع بالدنيا والالتزام بالمبادئ والقيم.
الاختبارات النهائية للعام الدراسي
يستقبل أبناؤنا وبناتنا هذا الأسبوع القادم مواعيد اختباراتهم النهائية لهذا العام في مختلف المراحل الدراسية، ونذكّرهم بضرورة الجدّ والاجتهاد، حتى يحققوا النجاح والتفوق والتميّز الذي نرجوه لهم.
ونذكر العوائل والأسر بأهمية خلق الأجواء المحفّزة والمساعدة لأبنائهم وبناتهم على الجدّ والاهتمام بأداء امتحاناتهم بثقة واطمئنان.
نسأل الله لهم جميعًا التوفيق والنجاح والسداد، وأن تقرّ بهم عيون أهاليهم، وتتحقق بهم آمال مجتمعهم ووطنهم.