الشيخ الصفار عقلانية وإنسانية خطاب الإمام علي سبب تألقه في جميع العصور

 

قال سماحة الشيخ حسن الصفار أن عقلانية وإنسانية خطاب الإمام علي جعلته مقبولًا ومتألقًا في جميع العصور، وعند المجتمعات على مختلف مرجعياتها الدينية والفكرية.

وتابع: لأن الإمام علي كان يتحدث لجميع الناس، ولم يكن حديثه لشيعته أو للمسلمين فقط، لذلك تتقبله البشرية في كل عصر.حفل الغدير 1444

جاء ذلك في كلمة لسماحته بمناسبة ذكرى يوم الغدير 18 ذو الحجة 1444هـ الموافق 7 يونيو 2023م في مجلس المقابي بمدينة القطيف شرقي السعودية بعنوان: نهج الخطاب عند الإمام علي .

وابان سماحته أن خطاب الإمام علي ينطلق من الاستيعاب الشمولي للدين، والوعي بقضايا الحياة والمجتمع.

وتابع: هناك توازن في خطاب الإمام يعكس كل قيم الدين ومبادئه، ويحافظ على مقاصده.

وأوضح أن آفة قسم من الخطاب الديني تضخم جانب من الدين على حساب سائر الجوانب، وحينئذ يصبح الدين مبتورًا غير واضح المعالم فيسبب للأمة كثيرًا من المشاكل في واقعها المتأثر بذلك الخطاب.

وتابع: الدين منظومة متكاملة وعلى من يوجه الناس للدين أن يستحضر في ذهنه كامل المنظومة الدينية، فلا يتحدث عن الآخرة مع تناسي شؤون الدنيا، أو يهتم بحقوق الله ويتجاهل حقوق العباد، ولا يتحدث عن الجهاد وينسى السلم الاجتماعي، أو الاعلاء من شأن قوامة الزوج وتناسي كرامة المرأة، أو عن البراءة من أعداء أهل البيت ويتغافل عن مبدأ وحدة الأمة.

وتحدث سماحته عن سمة المنطق والعقلانية في خطاب الإمام علي .

وقال: عندما تقرأ خطب أمير المؤمنين وكتبه ورسائله، تراه يتحدث حديثًا منطقيًا، عقلانيًا، يجيّش العاطفة في بعض الأحيان، لكن لصالح الموقف الذي يسنده الدليل والبرهان، وليس تجيشًا عاطفيا فارغًا، أو إثارة حماسية لا تنطلق من أصول.

وتابع: يأمرنا الإمام علي أن نأخذ هذا البعد بعين الاعتبار حينما نتحدث للناس، وأن يكون حديثنا مما يعقله ويفهمه الناس، وفقًا للمنطق والعقل السليم.

واستشهد بقول علي : «حَدِّثُوا النَّاسَ، بما يَعْرِفُونَ أتُحِبُّونَ أنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ ورَسولُهُ» محذرًا من ما تسببه بعض الخطابات الدينية غير المنطقية من تساؤلات وشبهات تصرف الناس عن الدين.

وقال: كم دفعنا ثمنًا باهضًا لبعض خطابات الغلو والإثارات العاطفية؟ لقد سببت ردود فعل في أوساط الشباب فضلًا عن الأوساط الأخرى التي صارت تنظر للمذهب ولخط أهل البيت نظرة استهجان، لذلك يجب أن نحسب حسابًا لهذا الأمر.

وبيّن أن الإمام علي حتى في أصعب المواقف، وهو بحاجة لتجييش مشاعر الناس وعواطفهم، لا يبتعد عن المنطق والعقل.

وتابع: إنه يسمع الخوارج يهتفون أمامه في المسجد: (لا حكم إلاّ لله)، فلا ينفعل ويرد عليهم بخطاب متشنج بعيد عن المنطق، بل يواجههم برويّة وعقلانية، إذ لم ينكر أصل شعارهم، بل أوضح خطأ توظيفهم لذلك الشعار بقوله: «كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ».

وأضاف: لم يتنازل الإمام علي عن عقلانية الخطاب ومنطقيته وهو يواجه خصومًا يجيشون العواطف، ويرفعون بعض المبادئ والقيم شعارات جوفاء.حفل الغدير 1444

ومضى يقول: لأن حديث الإمام علي ليس للحظة الآنية وإنما للأجيال، فإنه لا يلجأ لتصفية الحسابات والنيل من الطرف الآخر، بل يفضل خطاب العقل والمنطق.

وأوضح أن خطاب الإمام علي الإنساني شد أنظار جميع العقلاء والمنصفين، فجورج جرداق كان مسيحيًا، وغيره من المسيحيين ومن المستشرقين ومن غير الشيعة، حينما اطلعوا على خطاب علي شدّهم خطابه، لأنه كان يخاطب الإنسان، متجاوزًا كل المذاهب والأديان.

وتأسف من بعض الخطاب الإسلامي الذي لا يزال وكأنه محصور في زاوية من قرية، بحيث إذا سمعه الآخرون لا يقبلونه، ولا يفقهونه.

وتساءل: أين المشتركات الإنسانية والمبادئ الإسلامية العامة؟ لماذا لا نركز عليها في خطابنا كما كان يركز عليها الإمام علي ؟

وذكر أن عددًا من المفكرين والأدباء غير المسلمين يتطلعون لترجمة نهج البلاغة ونشره باللغات العالمية الحيّة، لتتعرف المجتمعات الغربية على تميّز فكر الإمام علي.

واستشهد بكلام للفيلسوف والمستشرق الفرنسي هنري كوربان، والأديب المسيحي اللبناني نصري سلهب.

وأشار إلى أن الإمام علي رغم أنه كان يعيش معاركًا مع مناوئيه وأعداءه، لكنه لم يكن يعبئ الناس، ولم يكن يزرع الأحقاد والضغائن في النفوس، بل كان يدعوا للانسجام والألفة بين الناس.

وتابع: لم يتوسل بالسب واللعن الذي كان من سمات الخطاب الأموي، أما سياسة علي فإنه كان يقول: «أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ».

وقال: هذه روح علي بن ابي طالب فكيف نتعامل نحن مع من يختلف معنا مذهبيًا أو داخل مذهبنا؟

وتابع: للأسف نحن نخرج من نختلف معه من الدين، ونصفه بأبشع الصفات، وقد يصل الأمر لدى البعض إلى الخوض في أعراض من يختلفون معهم.

وفي الختام شكر الحضور الكثيف من البحرين والاحساء والخبر ومن سائر المناطق على إجابة الدعوة، ودعاهم لتناول وجبة الغداء.

وقد حضر الحفل جمع من العلماء والمثقفين والشخصيات الاجتماعية.

كما شارك فيه الأديب محمد الجلواح من الأحساء بقصيدة حول المناسبة تفاعل معها الجمهور، وألقى الخطيب الشيخ محمد المدلوح مقاطع من المديح لأمير المؤمنين علي . وقد بدأ الحفل بتلاوة عطرة من كتاب الله المجيد.

لمشاهدة الكلمة:

https://www.youtube.com/watch?v=c0OT_uvtVtY

حفل الغدير 1444حفل الغدير 1444حفل الغدير 1444