شهر تنمية الأخلاق

 

جاء في خطبة رسول الله حول شهر رمضان: «أَيُّهَا اَلنَّاسُ، مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازٌ عَلَى اَلصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ اَلْأَقْدَامُ».

يندفع الإنسان لتحسين وضعه الاقتصادي تلبية لحاجاته أو لزيادة ثروته وإمكاناته.

كما يسعى لرفع مستواه المعرفي والعلمي إشباعًا لطموحه وتعزيزًا لدوره في الحياة.

ويناضل للتقدّم في رتبته الوظيفية عبر اجتهاده في أداء عمله ودخول الدورات التأهيلية.

لكن ما يغيب عن اهتمام كثير من الناس هو التفكير والسّعي للرقي الأخلاقي، وهي المهمّة التي يؤكّد عليها النبي في برنامج شهر رمضان: تحسين الأخلاق وتنميتها في نفس الإنسان وسلوكه الاجتماعي. حيث خصّص لها مساحة في خطبته حول شهر رمضان جاء فيها: «أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى اَلصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ اَلْأَقْدَامُ، وَمَنْ خَفَّفَ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ عَمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ خَفَّفَ اَللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ، ومَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ كَفَّ اَللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً أَكْرَمَهُ اَللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اَللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ».

«وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ وَاِرْحَمُوا صِغَارَكُمْ وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَاِحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ وَغُضُّوا عَمَّا لاَ يَحِلُّ اَلاِسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ وَتَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ اَلنَّاسِ كَمَا يُتَحَنَّنُ عَلَى أَيْتَامِكُمْ»[1] .

غياب الاهتمام بالرقي الأخلاقي

في الإجابة على سؤال غياب الاهتمام بالرقي الأخلاقي، يمكننا أن نلْمحَ عاملين أساسين:

الأول: عدم إدراك أهمية الأخلاق ودورها في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية، ذلك أنّ الاهتمامات المادية تفرض نفسها على الإنسان من خلال حاجاته ورغباته، بينما يتوقف إدراك أهمية الأخلاق على الوعي ونضج الخبرة والتفكير.

الثاني: التصور الخطأ بأنّ الأخلاق حالة عفوية طبيعية في شخصية الإنسان، تتكون من خلال نشأته وواقعه النفسي، ولا دور له في تكوينها وتغييرها.

وهنا يأتي دور التوجيه الديني والإرشاد التربوي لمعالجة هذين الأمرين، بإلفات نظر الإنسان إلى القيمة المحورية للأخلاق في إنجاح وإسعاد حياته. ولتبصيره بفاعلية إرادته واختياره في تشكيل شخصيته الأخلاقية.

ورد عنه : «إنّ العَبدَ لَيَبلُغُ بحُسنِ خُلقِهِ عَظيمَ دَرَجاتِ الآخِرَةِ وشَرَفِ المَنازِل، وإنَّهُ لَضَعيفُ العِبادَةِ»[2] .

وعنه : «سُوءُ الخُلقِ ذَنبٌ لا يُغْفَرُ»[3] .

إنّ أخلاق الإنسان هي سجاياه وطبائعه التي يدير بها حياته ويتعامل من خلالها مع الناس.

وهناك كثير من الأفراد يقعون تحت وطأة الاستسلام للسلوك الذي ألفوا السير عليه.

وعلى ضوء ذلك نسأل:

• هل أنّ أخلاق الإنسان وطرق تعامله مع الآخر ثابتة حتمية لا يمكن تغييرها؟

• هل طريقته في التعامل مع الآخرين هي المثالية بحيث لا شيء أفضل منها؟

• هل يطرح الفرد على صفحة نفسه ليسألها عن كيفية علاقته مع والديه وزوجته وأبنائه وسائر أرحامه فيسعى بعد ذلك لتصحيحها أو تطوير القاصر منها؟

لا شك أنّ الإنسان لديه القدرة على تغيير سلوكه وأنماط معاشرته للناس، وإلّا لو لم يكن قادرًا على ذلك لما صح معاقبته ومحاسبته، وأصبح لا جدوى من وضع المناهج لتعديل السّلوك الإنساني.

وتحسين الخلق ليس فقط الانتقال من السّلوك السيئ إلى الحسن، بل هو أيضًا رفع لدرجة الأخلاق إلى أفضل مستوى.

تحسين الأخلاق في شهر رمضان

ورد عن النبي محمد قال: «مَنْ تَطَوَّعَ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ اَلْخَيْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اَللَّهِ»[4] .

ليس التطوع بأداء الصلاة ودفع الصدقة فقط، بل الأهم من ذلك أن يتبع الإنسان سلوكًا حسنًا جديدًا في سيرته وتعامله، وبالتالي يكون كمن أدّى سبعين فريضة من فرائض الله. فإذا طوّر الإنسان في أسلوب علاقاته مع الآخرين في رحاب هذا الشهر الكريم وواظب عليها فيما بعد فإنه سيخرج من هذه الجامعة الروحية التربوية الإلهية بثمرة وحال جديد لم يكن قد تعوّد عليه، وقد يجد في بداية الأمر صعوبة في الألفة معه، لكن يصبح فيما بعد مألوفًا وعاديًا.

وليس صحيحًا أن يبرر الإنسان لنفسه سلوكه الخطأ بقوله: "إنّ هذا من طبيعتي، فماذا أصنع؟".

فقد ورد عن الإمام علي : «تَخَيَّرْ لِنَفْسِكَ مِنْ كُلِّ خُلْقٍ أَحْسَنَهُ، فَإِنَّ اَلْخَيْرَ عَادَةٌ، وتَجَنَّبْ مِنْ كُلِّ خُلْقٍ أَسْوَأَهُ، وَجَاهِدْ نَفْسَكَ عَلَى تَجَنُّبِهِ فَإِنَّ اَلشَّرَّ لَجَاجَةٌ»[5] .

وعنه : «عَوِّدُوا أَنْفُسَكُمُ اَلْحِلْمَ»[6] .

وعنه : «إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيمًا فَتَحَلَّمْ، فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ»[7] ، حاول أن تعوّد نفسك على الحلم بالسّيطرة على أعصابك ولا تنفعل حينما يكون هناك ما يسيء إليك ويزعجك.

إنّ شهر رمضان من أفضل الفرص لتحسين الأخلاق وتنميتها وذلك للعوامل التالية:

1/ الصوم تدريب على التحكم بالغرائز والرغبات وذلك هو أهم عنصر في القضية الأخلاقية.

2/ أجواء العبادة والبرامج الروحية من تلاوة القرآن وقراءة الأدعية المأثورة، وكلّها تستهدف الإصلاح الجذري لأفكار الإنسان ومشاعره وأحاسيسه.

3/ التوجيهات الخاصّة بالصوم وشهر رمضان التي يجب أن يستحضرها الإنسان للارتقاء بأخلاقه.

فقد سَمِعَ رَسُولُ اَللَّهِ اِمْرَأَةً تَسُبُّ جَارِيَةً لَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَدَعَا رَسُولُ اَللَّهِ بِطَعَامٍ فَقَالَ لَهَا: «كُلِي»، فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ: فَقَالَ : «كَيْفَ تَكُونِينَ صَائِمَةً وَقَدْ سَبَبْتِ جَارِيَتَكِ، إِنَّ اَلصَّوْمَ لَيْسَ مِنَ اَلطَّعَامِ وَاَلشَّرَابِ فَقَطْ»[8] .

وعنه : «مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ اَلنَّاسِ»[9] .

وورد عن الإمام علي : «صِيَامُ اَلْقَلْبِ عَنِ اَلْفِكْرِ فِي اَلْآثَامِ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ اَلْبَطْنِ عَنِ اَلطَّعَامِ»[10] .

وعنه : «صَوْمُ اَلْقَلْبِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ اَللِّسَانِ وَصَوْمُ اَللِّسَانِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ اَلْبَطْنِ»[11] .

 

خطبة الجمعة 7 رمضان 1443هـ الموافق 8 أبريل 2022م.

[1]  عيون أخبار الرضا، ج1، ص295.
[2]  المعجم الكبير للطبراني، ج1، ص260، ح754.
[3]  كنز العمّال: ح7363.
[4]  الشيخ المفيد: المقنعة، ص341.
[5]  نفسه، ص324.
[6]  تحف العقول، ص224.
[7]  نهج البلاغة، حكمة: 204.
[8]  من لا يحضره الفقيه، ج2، ص109.
[9]  مستدرك الوسائل، ج7، ص370.
[10]  غرر الحكم، ص422.
[11]  عيون الحكم، ص 305.