سماحة الشيخ الصفار يستضيف السيد المهري الذي تحدث عن الوحدة الإسلامية وتداعيات تفجير قبة الإمامين العسكريين عليهما السلام

القطيف: حسين الشيخ

استضافة سماحة الشيخ حسن الصفّار سماحة السيد محمد باقر المهري ـ العالم الشيعي البارز على مستوى الساحة الكويتية والمنطقة عمومًا ـ في مجلسه مساء الأربعاء ليلة الخميس الموافق 2 صفر 1427هـ، وألقى محاضرة عن أهمية الوحدة بين المسلمين وبين أبناء الطائفة وضرورة الحوار والانفتاح على الآخر.

كلمة الشيخ حسن الصفّار


وقبل أن يبدأ السيد المهري كلمته قدّم له الشيخ حسن الصفّار ورحّب به في القطيف، وَأَلْفَتَ سماحته إلى جانب مهم من جوانب شخصية ودور سماحة السيد الاجتماعي والسياسي، وهو جانب الحوار والانفتاح على الآخرين، هذا الجانب الذي يركّز عليه سماحة السيد في تحركاته ونشاطاته وممارساته.

وأشار سماحة الشيخ الصفّار في كلمته إلى أننا طائفة تنتمي إلى مدرسة أهل البيت هذه المدرسة التي تمتلك تاريخًا عريقًا في الدفاع عن قضايا الإسلام والمسلمين عامّة، والتي لم تكن في يوم من الأيام همها همًّا شخصيًا أو طائفيًّا بقدر ما كان الهم الإسلامي العام هو الحاضر في خطاباتها وسلوكها كطائفة.

ولكن بسبب ظروف معينة مرّت على أتباعها فترة حوصروا فيها، ولّد هذا الحصار شيئًا من الانعزال والانكفاء بين أبناء الطائفة، منعتهم من الانخراط في الحياة العامّة والتواصل مع الآخرين.

ولكن هذه الفترة انتهت، خصوصًا بعد الصحوة الإسلامية التي ولدتها أحداث عالمية أبرزها انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

وبسبب هذه الأحداث المتسارعة يجب أن تزول حالة الانكفاء والانعزال التي نعيشها، والتي كانت تمنعنا ـ زمنًا طويلاً ـ من الالتقاء مع الآخرين.

وكما أننا نعيش حالة من القطيعة بيننا كمسلمين نعيش هذه الحالة بيننا كمجموعات شيعية، فنعيش حالةً من القطيعة، فإنه بسبب نشاط بعض الأطراف في المجال الاجتماعي أو السياسي قد تحدث بعض الأخطاء فيأخذ بعضنا على بعض هذه الأخطاء، بينما من المفترض أن يعذر بعضنا الآخر، وأن لا تكون مثل هذه المؤاخذات حاجزًا يمنعنا من التلاقي والحوار.

إن الظروف الحالية تعتبر فرصة كبيرة لنا لأن نشرح للآخرين فكرنا وتوجهاتنا، وأن لا نسمح للآخرين أن يملأوا فراغنا بأن ينسبوا لنا أشياء لا نؤمن بها أو مطالب لا نطالب بها، فبسبب غياب الطرف الشيعي عن الساحة ظهرت كثير من الشبهات وتمكنت من أذهان الكثيرين، وذلك بسبب هذا الغياب، فالتواصل هو الطريق لإيصال الفكرة وتوضيح الالتباس.

نحن أصحاب رسالة


والنقطة الأهم في مسألة التواصل أننا ـ أتباع مدرسة أهل البيت ـ أصحاب رسالة مبدأية، ولا يمكن إيصال الرسالة ونشرها والتعريف بها في ظل حالة الانكفاء والانعزال عن الساحة.

كلمة سماحة السيد المهري


قسم السيد المهري كلمته إلى الحديث حول نقطتين:

النقطة الأولى: حول الوحدة بين المسلمين والتعايش السلمي


وفي هذه النقطة بيّن أن أهل البيت كانوا في تربيتهم لأتباعهم وفي سلوكهم العام يركزون على توحيد الأمة وإشاعة جوّ الألفة والتعايش مع الآخرين، فالإمام العسكري كان يرشد أتباعه لأن يحضروا مساجدهم ويعودوا مرضاهم ويشيعوا جنائزهم. وكان يطلب من أصحابه الوقوف مع الناس يوم عرفة.

لأن المبدأ العام للأئمة التعايش السلمي مع الآخرين وليس التصادم معهم، وإعطاء القيمة الإنسانية قيمة أكبر من الانتماء والمعتقد، فقد روي عن الإمام زين العابدين أنه قال: ««في كل كبد حرّى أجر»».

ووظيفتنا كأتباع لهذه المدرسة نشر هذه الثقافة، خصوصًا أن أمر تعريف الناس بمبادئ ومعارف أهل البيت بات ميسورًا الآن.

المشاريع المشتركة

وأشار سماحة السيد المهري إلى أن إيجاد مشاريع علمية مشتركة بين المذاهب الإسلامية والمقارنة بين الآراء من أفضل الطرق لإيجاد أرضية مناسبة للحوار والتلاقي وكسر الحاجز النفسي بين أتباع وقيادات هذه المذاهب، أما حالة الإقصاء الموجودة لبعض الأطراف فهي تكرّس حالة القطيعة، وذكر من هذه الأمثلة مشروع الموسوعة الفقهية الكويتية التي تم الانتهاء منها، والتي لم تذكر في جميع موادها أي رأي للمذهب الشيعي، معللين ذلك بعدم وجود مصادر تحوي المتون الفقهية الشيعية.

ففي مثل هذا المشروع لو كان يحوي في مقابل الآراء الفقهية على وفق المذاهب الأربعة الرأي الفقهي الشيعي لكانت أرضية جيدة لدفع كثير من الافتراءات عن مذهب الشيعة، وكذلك ليرى الشيعة والسنة أن بينهم مشتركات كثيرة في مجال الفقه والتشريع.

دفع التهم الموجهة إلينا عبر التواصل مع الآخر

كثيرًا ما يتّهم الشيعة بعدم ولائهم الوطني، وأنهم يوالون مرجعياتهم الدينية على حساب المصالح الوطنية العامّة. وهذه نقطة لا يمكن دفعها إلا بالتصريح والتأكيد بصوت عالٍ على انتمائنا الحقيقي للوطن المنتمون إليه وأننا على أتم الاستعداد للدفاع عنه بدمائنا.

ويمكن تعزيز هذه النقطة عبر التواصل البناء مع المسؤولين وأصحاب القرار وتأكيد هذه النقطة وتبديد أي مخاوف لديهم فيما يتعلّق بمسألة الولاء للوطن، وهذا لا يتمّ إلا عبر اللقاءات والتواصل المباشر مع هؤلاء المسؤولين، أما حالة الانكفاء والانعزال فتشعر بالريبة والتشكيك حولنا.

ولذلك فوجود حلقات الوصل بين المواطن والسلطة الحاكمة أمر مطلوب وضروري.

فإذا تبيّن للجميع أن الشيعة لا يفترقون عن غيرهم من المسلمين في مسألة الانتماء الوطني ستكون هناك أرضية جيدة لأن يلتقي معنا الجميع دون أي ريبة أو تشكيك.

الهموم المشتركة توحدنا كمسلمين
ومن الوسائل التي توجد أرضية جيدة للتوحد والتلاحم بين المسلمين جميعًا استغلال المشتركات العامّة واستغلال المناسبات والأحداث التي تهمّنا جميعًا ونلتقي حولها، ومن ذلك استغلال حادثة الرسوم المسيئة لرسولنا الكريم ، فإن هذه الحادثة مناسبة جيدة ليتوحد المسلمون تحت شعار واحد هو التنديد والاستنكار لهذه الإساءة التي آلمت ومست مشاعر المسلمين بجميع مذاهبهم وانتماءاتهم، وأن نطالب جميعنا باستصدار قانون يمنع ويجرّم الإساءة إلى مقدساتنا.

النقطة الثانية: الوحدة والتلاحم بين أبناء الطائفة


ربما تعود معظم الخلافات بين أبناء الطائفة إلى الاختلاف في التقليد والاختلاف في أساليب العمل وإدارة الأمور. وهذان السببان من المفترض أن لا يكونا مثار خلاف وتحزّب واحتراب وتصارع بيننا، خصوصًا أن هذه الاختلافات إذا ظهرت إلى السطح وانتشرت ستشكّل عائقًا أمام تقدمنا في مجال العمل وتراكم الخبرات وتلاحمنا في سبيل تحقيق آمالنا المنشودة.

فليس من المنطقي أن تفرّقنا هذه المسائل الجزئية ونحن نلتقي في جميع المبادئ والقضايا الكبرى.

وبمناسبة حادثة تفجير قبة مرقد الإمامين الهادي والعسكري الأليمة من المفترض أن توحدنا جميعًا لنستنكر هذا الاعتداء الآثم والجبان، وأن تكون مثل هذه الحوادث مناسبة جيدة لنلتقي وأن تكون فرصة لنتذكر مقدار المشتركات بيننا، ونتجاوز الخلافات الجزئية.

فهذه الأحداث كما أننا ندينها ونستنكرها علينا أن نستثمرها لرص الصفوف ولم الشمل، حتى نقف سدًّا منيعًا في وجه ما يصاغ ضدنا من مؤامرات، فمن الواضح أن الغرض من هذا الاعتداء هو زرع الفتنة بين المسلمين جميعًا، لذا يجب أن نحوّله إلى مناسبة للوحدة بيننا، وهذا أمر التفتت إليه مرجعياتنا الدينية من اليوم الأول، فأمرت بالمظاهرات السلمية، وعدم بروز أي مظهر من مظاهر الانتقام كالاعتداء على مساجد ومقامات إخوتنا من أهل السنة.

وقد كان لهذه التصريحات أكبر الأثر على إخواننا السنة في الكويت، لدرجة أن سمو أمير الكويت تبرّع بِـ 5 ملايين دولار مساهمة منه في إعادة بناء القبة الشريفة. كما شارك الكثيرون من أخواننا السنة في الكويت ضمن المسيرة الاحتجاجية على التفجير الآثم لقبة الإمامين عليهم السلام، وألقى أحد علماء السنة كلمة بهذه المناسبة.

وبعد انتهاء حديث سماحة السيد المهري جاء دور مداخلات وأسئلة بعض المشاركين وأجاب عليها سماحته.

جانب من الصور