النبي المبتسم

الابتسامة ترجمة وتعبير عن مشاعر إيجابية داخل نفس الإنسان، فحين يشعر بالسرور والرضا أو التعجب من شيء، ينعكس ذلك على ملامح وجهه، فتنفتح أساريره، وتكشف شفتاه عن أسنانه، فيما يطلق عليه حالة ابتسامة وضحك.

والابتسامة هي المستوى الأول والهادئ من الضحك، وقد يصحب الضحك صوت مرتفع وهو القهقهة.

الوظيفة الشخصية للابتسامة

والضحك حالة طبيعية تقابل البكاء الذي يحصل في حال الشعور بالحزن والألم، وبعض حالات الفرح، وكلاهما مظهر للإبداع والقدرة الإلهية.

يقول تعالى: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ

وللابتسامة والضحك دور إيجابي في شخصية الإنسان، فهو كما تشير الأبحاث النفسية، يساعد في تخفيف الضغط النفسي، ويرفع مستوى الرضا الشخصي، ويسهل التكيف مع المواقف الصعبة، ويحسّن مزاج الإنسان، فيقلّل مشاعر الاكتئاب والقلق.

وتتحدث بعض التقارير العلمية: (أنّ الضحك يقلل من هرمون التوتر في الجسم، الأمر الذي ينعكس بصورة إيجابية على صحة الجسم والصحة النفسية، كما يحفّز الأجسام المضادة في الجسم من أجل تعزيز صحة الجهاز المناعي) .

(ولا يقتصر تأثير الضحك الإيجابي على الحالة النفسية للإنسان بل يمتد إلى وظائف الجسم الداخلية، فقد ثبت أنّ الضحك يساعد على زيادة الأكسجين الذي يصل إلى الرئتين، وينشط الدورة الدموية.

ويساعد على دفع الدم في الشرايين، فيتوالد إحساس بدفء الأطراف، وربما كان هذا هو السبب في احمرار الوجه حين نضحك من قلوبنا) .

وقديمًا قالوا: اضحك تضحك الدنيا معك.

ويقول شاعر المهجر إيليا أبو ماضي:

هَشَّت لَكَ الدُنيا فَما لَكَ واجِماً                      وَتَبَسَّمَت فَعَلامَ لا تَتَبَسَّمُ

ويمكننا أن نقرأ في الحديث التالي عن السيرة النبوية الإشارة إلى الوظيفة النفسية للابتسامة، فقد ورد عن الإمام الرضا : >إِنَّ رَسُولَ اَللَّـهِ كَانَ يَأْتِيهِ اَلْأَعْرَابِيُّ فَيُهْدِي لَهُ اَلْهَدِيَّةَ ثُمَّ يَقُولُ مَكَانَهُ أَعْطِنَا ثَمَنَ هَدِيَّتِنَا فَيَضْحَكُ رَسُولُ اَللَّـهِ وَكَانَ إِذَا اِغْتَمَّ يَقُولُ مَا فَعَلَ اَلْأَعْرَابِيُّ لَيْتَهُ أَتَانَا< .

الابتسامة ووظيفتها الاجتماعية

وللابتسامة وظيفة اجتماعية، فهي تساعد على نجاح التواصل مع الآخرين وتشعرهم بالارتياح والرضا. لذلك وردت أحاديث تعتبر الابتسامة صدقة وفيها أجر وثواب.

حيث روي عن رسول الله أنه قال: >تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ< .

وعنه : >اِلْقَ أَخَاكَ بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ< .

وقال : >إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا اَلنَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، فَالْقَوْهُمْ بِطَلاَقَةِ اَلْوَجْهِ، وَحُسْنِ اَلْبِشْرِ<  .

لكنّ بعض الناس تقلّ الابتسامة على محيّاهم، إمّا لانخفاض المشاعر الإيجابية في نفوسهم، فشعورهم بالرضا والسرور قليل، أو لأنهم يكتمون مشاعرهم ولا يعبّرون عنها؛ لضعف الثقة أو الخجل أو التزمّت.

فبعض الآباء يتصور أنّ عليه أن يكون صارم الملامح في عائلته ومع أبنائه، ليهابوه ويطيعوا أوامره، فلا يبدو ضاحكًا مبتسمًا في بيته.

وبعض الموظفين ومن يتسنّمون مواقع قيادية في وظائف رسمية أو في القطاع الخاص، يتعاملون مع موظفيهم ومراجعيهم بتعالٍ وجفاء، فلا تظهر البسمة على وجوههم، ويعتبرون ذلك مظهرًا لحزمهم وقوة شخصيتهم.

كما أنّ بعض الموجهين الدينيين وبعض المتديّنين يتصورون أنّ حالة الوقار الديني والأخلاقي تستلزم قلة التبسم والضحك أمام الناس، وأنّ المتديّن لأنه يستحضر عظمة الله، والخوف من عذابه، فلا يناسبه إظهار الابتسامة والضحك، حتى ارتسمت في بعض الأوساط صورة الشخص المتديّن أنه متجهّم الملامح عابس الوجه.

وأساسًا فإنّ بعض الناس يظهرون في علاقتهم وتعاملهم مع الآخرين جدية مبالغًا فيها، فيبخلون بالبسمة وإبداء مشاعر الترحيب.

وذلك نقيض لما رواه علي أنه: >كَانَ رَسُولُ اَللَّـهِ يَقُولُ: إِنَّ اَللَّـهَ يُبْغِضُ اَلْمُعَبِّسَ فِي وَجْهِ إِخْوَانِهِ< .

الابتسامة النبوية

وحين نقرأ سيرة رسول الله نجد صورة أخرى، حيث تشير الأحاديث والروايات إلى أنّ من أبرز ملامح شخصية النبي أنه >كَانَ دَائِمَ اَلْبِشْرِ، سَهْلَ اَلْخُلُقِ، لَيِّنَ اَلْجَانِبِ< ، كما يصفه الإمام علي ، والبشر طلاقة الوجه، وظهور الفرح على محيّا الإنسان.

إنه لا أحد يزايد على تقوى رسول الله وعلى شدة اتصاله وارتباطه بالله تعالى، وهو في مقام القيادة لأمته، ويحمل أعظم الهموم، وكان يواجه أقسى التحدّيات، لكنّه مع كلّ ذلك كان دائم البشر، لا تغيب الابتسامة عن محيّاه.

جاء في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ إِذَا خَلا فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: (كَانَ أَلْيَنَ النَّاسِ، وَأَكْرَمَ النَّاسِ، وَكَانَ رَجُلًا مِنْ رِجَالِكُمْ، إِلّا أَنَّهُ كَانَ ضَحَّاكًا بَسَّامًا) .

وعن أمامة الباهلي: (كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ مِنْ أَضْحَكِ النَّاسِ سِنًّا، وَأَطْيَبِهِ نَفْسًا) .

وفي سنن الترمذي ومسند أحمد بن حنبل، عن عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ قال: (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ الله ) .

وعن جابر بن عبدالله الأنصاري يصف رسول الله قال: كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ إِذَا أَتَاهُ الْوَحْيُ أَوْ وَعَظَ، قُلْتَ: نَذِيرُ قَوْمٍ أَتَاهُمُ الْعَذَابُ، فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ رَأَيْتَ أَطْلَقَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَكْثَرَهُمْ ضَحِكًا، وَأَحْسَنَهُمْ بِشْرًا) .

وفي صحيح البخاري ومسلم عن جَرِيرُ بْنُ عَبْدِالله، قال: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّـهِ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي) .

وعن أبي الدرداء (كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ لَا يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ إِلَّا تَبَسَّمَ) .

روى ابن الفارس عن ابن عباس: أنّ من أسمائه في التوراة الضحوك. قال ابن فارس: سمّي بالضحوك؛ لأنه كان طيّب النفس فَكِهًا، على كثرة من ينتابه ويَفِدُ عليه من جفاة العرب، وأهل البوادي، لا يراه أحد ذا ضجر ولا قلق، ولكن لطيفًا في النطق رفيقًا في المسألة .

وقد حكى القرآن عن نبي الله سليمان قوله تعالى: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿﴾ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا .

وورد أنَّ (رَسُولُ الله إِذَا جَرَى بِهِ الضَّحِكُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ) .

وتظاهرت الأخبار أنه ربما ضحك حتى تبدو نواجذه، أي أقصى الأضراس من الفم، ولكن أغلب ضحكه التبسم.

أنموذج للشخصية السويّة

الرسول أنموذج للشخصية السويّة الكاملة، فهو مع عظيم الرسالة التي يحملها، والموقع القيادي الذي يمثله، كان يتعامل مع الناس بعفوية وانسيابية، دون تكلّف ولا تعالٍ ولا اصطناع هيبة.

ورد عن الإمام علي في بيان سيرته مع جلسائه: >يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ< .

وعن زيد بن ثابت: كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا إِلَيْهِ إِنْ أَخَذْنَا بِحَدِيثٍ فِي ذِكْرِ اَلْآخِرَةِ أَخَذَ مَعَنَا وَإِنْ أَخَذْنَا فِي اَلدُّنْيَا أَخَذَ مَعَنَا وَإِنْ أَخَذْنَا فِي ذِكْرِ اَلطَّعَامِ وَاَلشَّرَابِ أَخَذَ مَعَنَا فَكُلَّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اَلله) .

ونورد بعض المشاهد والمواقف من الابتسامات النبوية المشرقة:

دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّـهِ جَالِسٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِمُحَمَّدٍ وَلَا تَغْفِرْ لِأَحَدٍ مَعَنَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّـهِ وَقَالَ: «لَقَدْ احْتَظَرْتَ وَاسِعًا» .

وجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّـهِ بَلَغَنَا أَنَّ اَلْمَسِيحَ - يَعْنِي اَلدَّجَّالَ- يَأْتِي اَلنَّاسَ بِالثَّرِيدِ وَقَدْ هَلَكُوا جَمِيعاً جُوعاً، أَ فَتَرَى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنْ أَكُفَّ مِنْ ثَرِيدِهِ تَعَفُّفاً وَتَزَهُّداً؟ فَضَحِكَ رَسُولُ اَللَّـهِ ثُمَّ قَالَ: >بَلْ يُغْنِيكَ اَللّـَهُ بِمَا يُغْنِي بِهِ اَلْمُؤْمِنِينَ< .

وروي (أنَّ جَدَّ خَالِدٍ اَلْقَسْرِيِّ قَبَّلَ اِمْرَأَةً فَشَكَتْ إِلَى اَلنَّبِيِّ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَاعْتَرَفَ وَقَالَ: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَقْتَصَّ فَلْتَقْتَصَّ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اَللَّـهِ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ: أَوَ لاَ تَعُودُ؟ فَقَالَ: لاَ وَاَللَّـهِ يَا رَسُولَ اَلله، فَتَجَاوَزَ عَنْهُ) .

فَلْنَقْتَدِ برسول الله في خلقه العظيم بمقدار جهدنا:

1/ أنّ على الأب أن يقابل عياله بابتسامة وطلاقة وجه.

2/ وعلى الموظف أن يستقبل المراجعين بترحيب واحتفاء.

3/ وعلى من كان في موقع قيادي أن يتعامل مع موظفيه برحابة صدر وطلاقة وجه.

4/ وعالم الدين وكلّ متديّن عليه أن يكون جاذبًا بحسن أخلاقه واستقباله للناس بالابتسامة كمؤشر على سروره بملاقاتهم.