عيسى ابن مريم رسول المحبة والسلام

الشيخ حسن الصفار: مبادرة المملكة وجيرانها إلى الأخوة الإنسانية محلّ تقدير

 

يحتفي العالم هذه الأيام بأعياد ميلاد نبي الله المسيح عيسى ابن مريم ، الذي أصبح ميلاده توقيتًا لبداية السنة الجديدة على المستوى العالمي، وفي ذلك تأكيد على أصالة الدين في تاريخ المجتمعات الإنسانية، لأن المناسبة ترتبط بحدث ديني، وعقيدة دينية ذات بعد غيبي اعجازي. انها ولادة شخص يدعو إلى الله، ويتلقى الوحي من الله، كما أن ولادته ذات طابع غيبي، حيث ولد من دون أب، وهي الحالة الوحيدة في تاريخ البشرية.

وقد سبقها خلق الله تعالى لآدم بدون أب ولا أم، وهذا ما ذكّر الله به المستغربين من خلق عيسى من دون أب، يقول تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [آل عمران، أية: 59]

ويمكن القول إن تجارب الاستنساخ، قد قرّبت الفكرة إلى الأذهان، وقللت من مستوى الغرابة، (كتجربة النعجة دولي التي تعتبر أول حيوان ثديي يتم تكوينه في غياب الحيوانات المنوية، ويتكاثر لا جنسيًا).

إن المسلمين والمسيحيين يعتقدون أن حمل مريم بعيسى جاء نتيجة تدخل رباني، عبر عنها قوله تعالى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء، آية: 91]. لكن اليهود اتهموا مريم في عفتها، يقول تعالى: ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [مريم، الآية: 156]

إن تعظيم نبي الله عيسى ابن مريم والاحتفاء بذكره ليس شأنًا يخص المسيحيين، بل هو من صلب معتقداتنا الدينية كمسلمين، نؤمن بجميع الأنبياء ونعظمهم، وندرك المكانة الخاصة لنبي الله عيسى في القرآن الكريم، وليس هناك ما يمنع من الاحتفاء بذكرى ميلاده ضمن ما تحدث به القرآن الكريم وما ورد في التراث الإسلامي، كما لا مانع من تقديم التهاني لأي مسيحي بهذه المناسبة، بل هو أمر محبذ وداخل ضمن حسن المعاشرة والمصاحبة لمن نعرف منهم، خاصة زملاؤنا في الدراسة أو العمل، أو من يعملون تحت ادارتنا، أو جيراننا أو أصدقائنا ومعارفنا.

الأخوة الإنسانية

والحديث عن نبي الله المسيح عيسى ابن مريم، وأعياد ميلاده يقود إلى الحديث عن العلاقة بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، وخاصة المسيحيين، فالإسلام والمسيحية هما الديانتان الرئيستان في العالم لثلثي البشرية تقريبًا.

ومع الإقرار بالاختلاف العقدي والتشريعي بين الأديان، إلا أن الأصل في العلاقة مع الآخر الديني حسبما يقرر القرآن الكريم هو البر والعدل.

يقول تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة، الآية: 8]

وهنا نشيد بالمبادرة العربية الرائعة التي قُدمت للأمم المتحدة من قبل السعودية ومصر والإمارات والبحرين التي تدعو إلى الاحتفاء بـ«اليوم الدولي للأخوة الإنسانية»

حيث تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك القرار العربي، وتم اعتماد الرابع من فبراير (شباط) كل عام ليجسد «الجهود المشتركة في مكافحة خطابات الكراهية، ونشر ثقافة التسامح» [الشرق الأوسط، الأربعاء - 9 جمادى الأولى 1442 هـ - 23 ديسمبر 2020 مـ رقم العدد 1536].

إن الدين يربينا على محبة الناس ويأمرنا بالتعامل معهم انطلاقًا من قاعدة العدل والبر والإحسان ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وأي فكرة تدفعنا إلى الحقد على الآخرين أو الإساءة إليهم بغير حق، فهي مخالفة للدين، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وقد تكرر هذا التحذير أكثر من مرة في القرآن الكريم.

لكنّ هناك من يختلق المبررات باسم الدين لبث العداوة والبغضاء بين بني البشر، وذلك نهج شيطاني، يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ونجد من يمارس هذا النهج ليس على مستوى اختلاف الديانات فقط، بل حتى ضمن الدين الواحد، بالتحريض على الكراهية بين أبناء المذاهب المختلفة، وكذلك حتى ضمن المذهب الواحد حين تختلف التوجهات الفكرية والاجتماعية، فلا يزال هناك من يتحدث بلغة تثير حساسيات الانتماءات المرجعية، أو الفكرية المختلفة.

مواجهة الوباء

تمر على البشرية أعياد الميلاد المجيد هذا العام وهي تواجه تحدي هذا الوباء الفتّاك كوفيد 19، حيث غابت البهجة المعهودة عن غالب مدن العالم، بسبب الإجراءات الاحترازية.

لكننا نأمل أن يرفع الله هذا البلاء والوباء، ومع أن هناك قلقًا جديدًا من أخبار تحوّر هذا الفيروس. لكن الخبراء والمختصين يطمنون بأن النسخ الجديدة أسرع انتشارًا لكنها ليست أشد عنفًا وفتكًا، كما أن إنتاج اللقاحات واعتمادها من الجهات الصحية المختصة وبدء توزيعها، وبدء عمليات التطعيم باللقاحات في عدد من بلدان العالم. هو بشارة خير وبداية أمل للخروج من نفق هذه الجائحة.

فهو أسرع لقاح يتم انتاجه في تاريخ مقاومة الفيروسات والأمراض، بسبب تقدم العلم وضغط أعباء هذه الجائحة على العالم. اما وجود المتحفظين فهو أمر متعارف تجاه كل لقاح جديد.

فهناك من يتحفظ حتى الآن تجاه لقاح شلل الأطفال والجدري والكوليرا وأمثالها.

وهنا يجب أن نشيد ونقدر شجاعة المتطوعين في تجارب لقاحات كوفيد 19، لأن كل واحد منها لابد وأن يمر باختبار ما يزيد على الثلاثين ألف شخص، من أوساط مختلفة، ثم تدرس النتائج، فلا يعتمد اللقاح إلا إذا تجاوز هذا الامتحان.

وعلينا أن نأخذ بكلام الجهات الصحية المختصة، ولا نتأثر بالإشاعات المتداولة، ولا بوجود آراء متحفظة. فكل العلاجات والأدوية قد تُحدث لبعض متلقيها شيء من المضاعفات والتداعيات، لكنها في الغالب تكون تحت السيطرة، ويساعد حصولها على تحسين مستوى العلاج والدواء من قبل الجهات المنتجة.