قراءة في كتاب (خطاب الوحدة.. نقد وتقويم) لسماحة الشيخ حسن بن موسى الصفار

في حركة دؤوبة، ونشاط متجدد،مابين محاضرات وكتابات وحضور مؤتمرات وندوات وزيارات ومجلس عامر تناقش فيه العديد من القضايا الاجتماعية والدينية والوطنية والاسلامية والمذهبية، ومكتب تجتمع في رحابه العديد من الطاقات الدينية والاجتماعية والوجهائية، حضور دائم للحوار والانفتاح على قضايا المجتمع والأمة، تلمس واستشعار لمشاكل المجتمع والأسرة، مشاركات وبرامج عدة تعزز الموقعية الوطنية لأبناء مجتمعه، رفض للانغلاق والحلول الهلامية، تجسيد للبساطة والوداعة، ابتسامة تزين ذلك المحيا،إشادة دولية وإسلامية علمائية وفكرية بأعماله وفكره وإنتاجه الثقافي والعلمي، فكر يحلق مع فكرك في فضاءات الخير وينتقل بك من دهاليز التاريخ الى رحابة وعمق مايتبناه الاسلام من نظريات وقضايا، لم يخندق نفسه في إطار فئوي أو طائفي، متسامح.. برحابة نفس يقبل أن تخطئه وتذكر له الصواب، يستحضر على الدوام قول الله جل جلاله وقول رسوله وأهل بيته ، في محاضراته ومحافل مجلسه تتلمس الواقع المعاش مع مشاكله وحلوله، في كتبه ومؤلفاته تعيش معه ألم المشكلة ولكنه بأدواته الدقيقة يضعك في عمق الحلول ويحفز إرادتك كفرد أو كمجتمع للإلتحاق بمركبة الحلول السليمة داعيا لترك اجترار الغبن والتأوه.

ذلك المكون الهام في نسيج إنسانيتنا وتديننا.... قد لا تفي الكلمات للاسترسال بالحديث عنه، فالسكوت عن التعريف أجدى عند الحديث عن أستاذنا سماحة العلامة الشيخ حسن الصفار خفظه الله.

وليس المقام هنا للحديث عن مآثره، ولا لتبيان وتعداد ماخطته يمينه وأبدعه فكره من مؤلفات ومحاضرات، ولكن أحببت الوقوف هنا متأملا وقارئا لأحد كتبه الذي نشر مؤخرا تحت عنوان (خطاب الوحدة.. نقد وتقويم) يسعى فيه إلى إلفات النظر لضرورة التجديد والتطوير في خطاب الوحدة عبر إثارة عدد من الملاحظات والمداخلات. وهو إحدى الأوراق المقدمة لمؤتمر عقد في الفترة 12-13/5/1431 هـ في دولة قطر بعنوان (الاجتهاد في الخطاب الاسلامي – نحو خطاب إنساني متجدد).

ففي الجلسة الثالثة من المؤتمر أوضح أن الأمة الاسلامية تواجه عددا من التحديات الخطيرة والتي يأتي في مقدمتها مابتليت به من واقع الانقسام وسياسات التمييز ومعارك الخلافات وعواصف الفتن مبينا أن النظام السياسي والاجتماعي في معظم الأوطان الاسلامية لا ينعم أبناؤه بالعدل والمساواة مخالفا بذلك مقتضى تشريعات الاسلام ومؤدى مفهوم المواطنة ومواثيق حقوق الانسان، كل هذا قد أضعف مصداقية خطاب الوحدة في نفوس المكتوين بنار التمييز والحرمان إلى مجرد عنوان فضفاض وشعارات براقة.

ثم يسترسل لبيان تحد آخر يتمثل بالانتشار الواسع لخطاب التعبئة والشحن الطائفي عبر وسائل تقليدية ومتطورة تؤجج المشاعر وتثير الأضغان عبر التنقيب عن حوادث للصراع المذهبي في عمق التاريخ موضحا علو هذا الصوت الذي تمكن من محاصرة خطاب الوحدة والتعايش وإحاطته بالكثير من الهواجس وعلامات الاستفهام.

وفي جانب آخر أوضح أن خطاب الوحدة يعاني قصورا في جانبي الكم والكيف وأن الحاجة ماسة لوجود مؤسسات أهلية تعنى بنشر ثقافة الوحدة والتسامح وتدعو للتعايش بين القوميات الاسلامية واحترام حقوق أبنائها في إطار الاسلام، وبلغة المقارنة أوضح ماتزخر به المجتمعات الغربية من مؤسسات أهلية تعنى بنشر ثقافة السلم والسلام.

كما بين أن الخطاب الطائفي يتحدث بنبرة أعلى وثقة أقوى بينما يتسم معظم الخطاب الوحدوي بدرجة كبيرة من الخجل والحياء،وأوضح أن جمهور الخطاب الطائفي يدفع بالجمهور إلى أتون الفتن ومعارك الصراع بينما الخطاب الوحدوي هو على مستوى نخبوي محدود، ودعا إلى الجرأة في نقد الخطاب الوحدوي لتقويمه والارتقاء به إلى مستوى التحدي.

أما عن القلق والتوجس من الخطاب الوحدوي والذي تعرض لحملة تشويه كبيرة من أجل إجهاضه عبر العديد من الافتراءات التي تدغدغ المشاعر ولا تتجه بها لعمق الحقائق، وكان من أهمها فرية وادعاء التنازل عن المبادىء والمعتقدات والذوبان في مذهب آخر أو تلفيق مذهب جديد من بين المذهبين. وقد أوضح سماحته في إيضاح معالم هذا القلق قائلا ((ولا شك أن هذا الفهم للوحدة خطأ مرفوض، فالوحدة لا تستلزم إلغاء حرية الفكر وشرعية الاجتهاد، ولا تعني فرض الراي قسرا على الناس لأن ذلك مخالفة لطبيعة البشر القائمة على الاختلاف ولطبيعة النص الديني كأي نص منقول يقبل النقاش حول صحة نقله فيما عدا النص القرآني القطعي الصدور أو فهم المراد منه مما يشمل النص القرآني ونصوص السنة الشريفة وأقوال الأئمة والفقهاء)) صفحة (21).

ويقول في موضع آخر من الكتاب ((إن التحفظ والتردد في قبول التعددية العقدية لا مبرر له، لأن ذات الأسباب المنتجة للإختلاف في المسألة الففهية هي بواعث الاختلاف في المسألة العقدية)) صفحة (26).

وفي موضع ثالث ((لا مصداقية لأي طرح وحدوي يقوم على إلغاء أي طرف من أطراف الأمة أو بشرط تنازل الآخرين عن معتقداتهم ومبتنياتهم بعد التسليم بأصول الايمان وأركان الاسلام فلا بد من الإعلام الصريح بقبول الآخرين ضمن دائرة الاسلام والأمة)) صفحة (36).

كما أوضح أن المهمة الأساس للخطاب الوحدوي هي إقناع الأمة بوقف حملات التعبئة والتشهير والإساءة للرموز والمقدسات، واعتماد لغة الطرح الموضوعي والحوار العلمي. وكذلك تبني أولا مفهوم المواطنة الذي لا يتحقق إلا بسيادة القانون وتساوي المواطنين في الحقوق والواجبات ومشاركتهم في إدارة شؤون بلادهم وهو مايصنع أرضية الوحدة ويوفر السلم والاستقرار على الصعيد الوطني. وعليه أن يتبنى ثانيا مفهوم حقوق الانسان الذي يعني الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية التي تنص على أن لكل إنسان الحق في أن يتمتع بكافة حقوقه وحرياته والذي يأتي في طليعتها حق الحياة والحرية والمساواة والتفكير والمعتقد والتعبير عن الرأي.

أما القسم الأخير من الكتاب فقد احتوى على المتابعات الاعلامية للمؤتمر من قبل وسائل الاعلام المتنوعة ومثال على ذلك جريدة العرب القطرية وجريدة القدس العربي التي نشرت تحقيقا بعنوان (رجل دين شيعي سعودي يدين سياسات التمييز الطائفي ويطالب بالتصدي لها) وكان مما جاء في هذا التحقيق ماذكرته على لسان الشيخ حسن الصفار قوله ((لا يصح السكوت على سياسات التمييز التي تمنع أتباع المذاهب الاسلامية من ممارسة شعائرهم الدينية والمذهبية أو تحرمهم من التمتع بكافة حقوقهم الوطنية)) صفحة (49).

«لقراءة الكتاب اضغط هنا»

19/8/2010م