مقدمة لكتاب «المرأة وبرامج التثقيف»

الكتاب: المرأة وبرامج التثقيف.. المجالس الحسينية نموذجاً
المؤلف: عالية مكي
الناشر: دار الكلمة الطيبة – بيروت - الطبعة الأولى 1412هـ ـ 1992م

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

إذا كانت الثقافة والوعي ضرورة لكل إنسان في مجتمعنا، فإنها بالنسبة للمرأة أكثر ضرورة وإلحاحًا لماذا؟

أولًا: لأن حالة التخلف متركزة أكثر في الوسط النسائي من مجتمعاتنا بسبب النظرات السلبية الخاطئة تجاه المرأة ودورها، ولانعدام فرص الانفتاح والتحرك أمام النساء.

ثانيًا: إن هناك تخطيطًا وتوجهًا رهيبًا من قبل الأعداء يستهدف إفساد مجتمعاتنا وتمييعها من خلال المنطقة النسائية، وهذا واضح لمن يلاحظ برامج الشبكات التلفزيونية وخاصة قنوات البث العالمي المباشر بالأقمار الصناعية، وكذلك برامج الإذاعات، والسيل الهادر من المجلات والكتب التي تنشر الخلاعة والميوعة وتقوّض الأخلاق والقيم.

بالطبع إنهم يريدون إفساد المرأة كهدف ووسيلة، فهم يسعون لإفساد مجتمعاتنا والمرأة نصف المجتمع فهي مستهدفة بذاتها، كما أنهم يدركون أن إفساد المرأة يؤدي إلى إفساد كل المجتمع وبالتالي فهي جسر ووسيلة لتنفيذ مخططهم الافسادي الخبيث.

تجاه هذا التحدي الخطير لا بد من تحصين المجتمع النسائي بالثقافة والوعي ولانتشال المرأة من أوحال الجهل والتخلف والذي يشاركها فيه الرجل مع تفاوت في النسبة غالبًا. وهذا يعني ضرورة وجود خطاب توعوي تثقيفي يعالج واقع المرأة ويساعدها على تجاوزه.

كما أن من الضروري بث روح اليقظة والحذر في الوسط النسائي تجاه مخططات الأعداء، ومزالق الانحراف، وذلك يستلزم وجود برامج في مستوى التحدي المعاش.

وإذا كنا لا نتوقع من وسائل الإعلام الرسمية أن تقوم بهذه المهمة بالشكل الكامل والمطلوب لأنها إما شريكة في المخطط المعادي أو قاصرة عن الاهتمام بهذه التوجهات في الغالب، فإننا يجب أن نهتم بالبرامج والوسائل المتاحة لمجتمعاتنا في التوجه والتثقيف.

ولعل أبرز وسائل التثقيف الممكنة شعبيًّا هي المنابر والمجالس الدينية التي ألفتها مجتمعاتنا في المناسبات والمواسم كشهر رمضان المبارك وأيام المحرم وسائر أيام الله حيث ذكريات أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.

هذه البرامج الدينية لا تزال أزمّتها بيد الناس حيث تعقد وتدار وتمارس عن طريق الأهالي ودون أي تدخل رسمي فهي تمتلك الاستقلالية كما أنها في الأصل وحينما دعا إليها الأئمة الأطهار عليهم السلام كانت تستهدف إحياء أمر الدين وإصلاح المجتمع.

وكما للرجال برنامجهم ومجالسهم الدينية في المناسبات فإن للنساء في مجتمعاتنا برنامجهم الموازي وحسينياتهم المستقلة.. لكن هذه البرامج ومع الأسف تأثرت بحالة التخلف العامة وما عادت تؤدي الدور المطلوب منها.

صحيح أنها تشد الناس عاطفيًّا لأهل البيت عليهم السلام وتؤكد محبتهم في القلوب عبر ذكر سيرتهم والتفاعل مع مصائبهم لكنها تقتصر على ذلك دون أن تتجاوزه إلى تبيين القيم والأهداف التي عاش من أجلها أهل البيت عليهم السلام، ودون أن تلامس الواقع المعاصر للناس فتعطيهم الوعي بما يجري حولهم  وتوجههم للموقف المطلوب على هدى تعاليم الدين.

وإذا كان ذلك ينطبق على المجالس الدينية للرجال والنساء غالبًا فإنها بالنسبة للمجالس الدينية النسائية أكثر تجليًا ووضوحًا.

والسؤال الآن: هل تستطيع المجالس الحسينية الدينية النسائية في مجتمعاتنا أن تلعب دورًا في التغيير والإصلاح؟

وكيف يمكنها أن تكون منبعًا ومصدرًا لما يحتاجه القطاع النسائي من ثقافة ووعي ضروريين؟

صفحات هذا الكتاب تحاول الإجابة على هذه التساؤلات ولعلها من أوائل الكتابات التي تسلط الأضواء على هذا الموضوع وهو موضوع مهم وجدير بالبحث.

نرجو أن تكون سطور هذه الصفحات باعثة للاهتمام بهذا الموضوع ومدعاة لكي تتوجه إليه أنظار المهتمين بإصلاح المجتمع.

كما نأمل تفاعل الأخوات المؤمنات القائمات على شؤون المجالس الدينية مع المقترحات الإصلاحية والتطويرية لهذه المجالس.

ومما يعطي لهذا الكتاب قيمته الخاصة كونه إنتاجًا لإحدى المؤمنات الرساليات، وهي قد عايشت واقع المرأة الاجتماعي، وتأملت أوضاعها، وبادرت للتحرك والنشاط باتجاه تكوين نهضة نسائية واعية في المجتمع وتحملت من أجل ذلك مختلف صنوف المشاكل والمحن، لكنها لا تزال صامدة تواصل العمل في سبيل الله والسعي لخدمة المجتمع.

شكر الله سعي الكاتبة الفاضلة وتقبل منها جهدها وعملها.

ووفق الله سائر أخواتنا المؤمنات للقيام بمبادرات رسالية مماثلة. ونرجو أن يجد الكتاب صداه ويترك تأثيره النافع.

﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.

والحمد لله رب العالمين.

حسن موسى الصفار      
15 رمضان 1412هـ