صحيفة المدينة: الشيخ الصفار مؤكداً أن لا فرق بين حقول الرجل والمرأة

صحيفة المدينة
الحوار الوطني أبرز التنوع الفكري في المملكة وعزز الوحدة الوطنية

 


أجرى منير النمر حواراً مع سماحة الشيخ حسن موسى الصفار حول الحوار الوطني الثالث الذي يعقد في المدينة المنورة، ونشرت صحيفة المدينة هذا الحوار في عددها الصادر يوم الثلاثاء الموافق 27 ربيع الآخر 1425هـ، حيث أكد سماحة الشيخ على أهمية الحوار والنقاش للباحثين عن اليقين والصواب في أي مسألة كانت من خلال تبادل الرؤى مع الآخرين واصفاً ذلك بالمهم جداً.

وقال عن الحوار الوطني الحالي أن يتناول موضوعاً مهماً مؤكداً على اهمية تناول حقوق المرأة كا يجب.

وفيما يلي نص الحوار الذي نشرته الصحيفة:

* كيف تقيمون الحوار الوطني بشكل عام والمقبل بشكل خاص؟

يجب أن نقسم تقويم الحوار الوطني إلى مستويين:

المستوى الأول: على الصعيد الداخلي للحوار من حيث ما تحقق فيه من تلاق وتعارف بين التوجهات والمذاهب المتنوعة في المجتمع السعودي.

المستوى الثاني: على صعيد نتائج الحوار وانعكاساته الفعلية وهنا يجب الاعتراف بأن توصيات الحوار لا تزال في قاعة الانتظار، ونأمل وجميع المواطنين أن تشق طريقها إلى التنفيذ والتطبيق.

وعن السبب في عدم مشاركته في الحوار الوطني الثالث يقول الصفار: ارتأت إدارة مؤتمر الحوار أن يكون هناك تجديد في أسماء المشاركين في الحوار، وأن لا يقتصر الحوار على أسماء محددة تتكرر في جميع المؤتمرات.

وهذا رأي طيب يتيح الفرصة لإشراك أكبر عدد ممكن من كفاءات المجتمع من مختلف المناطق والمذاهب والشرائح في عملية الحوار.

وعن شفافية الحوار الوطني قال: لا شك أن الحوار الوطني أبرز واقع التنوع الفكري والمذهبي في المملكة، وشرّع الاعتراف به والتعامل معه كحقيقة قائمة.

ولقد انكسر جانب كبير من الحواجز التي كانت قائمة، وبدأت هناك لقاءات مختلفة للحوار والنقاش تتسم بالشفافية والصراحة في جميع المذاهب.

* الحوار الثالث يتناول حقوق المرأة فما وجهة نظرك للحقوق التي ينبغي أن تأخذها المرأة والواجبات التي تقابل هذه الحقوق؟

حينما نتحدث عن حقوق الإنسان وعن حقوق المواطنة فإني لا أجد فرقاً بين الرجل والمرأة.

ومن خلال الرؤية الإسلامية كما أفهمها وكتبت حولها ضمن بحث مطبوع تحت عنوان (شخصية المرأة بين رؤية الإسلام وواقع المسلمين) فإني لا أرى فرقاً في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة على مستوى الحقوق والواجبات العامة في العنوان الإنساني والوطني.

نعم على مستوى العلاقات الزوجية هناك حقوق وواجبات متقابلة وليست متماثلة بين الزوج والزوجة يقول عنها تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، ويقول تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء.

في إطار الحياة العائلية هناك شيء من الاختلاف في أنماط الحقوق والواجبات، بما يخدم نجاح مؤسسة العائلة، وقيامها بوظيفتها الإنسانية العظيمة.أما اعتبار الحالة العائلية قانوناً ومعياراً عاماً كأن تكون القوامة للرجل مثلاً كرجل على المرأة في كل شؤون الحياة السياسية يحتاج إلى إعادة نظر.

* موضوع حقوق المرأة موضوع مطروح عالمياً فما هو مدى اعتقادك بعالمية هذا الموضوع؟ وكيف نستطيع التوفيق بين خصوصية مجتمعاتنا والمطلب العالمي؟

موضوع الحقوق هو بالفعل موضوع عالمي لا يخص مجتمعاً دون الآخر، ولا ينبغي أن ننظر إليه من خلال ضغوط الآخرين علينا أو مطالبهم منا، فتأخذنا العزة بالإثم، بل ينبغي النظر إليه من خلال رؤيتنا الدينية، وبصيرة عقولنا، واهتمامنا بأوضاعنا ومصالحنا.

ويبدو لي أن هناك في بعض الأوساط تضخيماً لما يسمى بالخصوصية، فانتماؤنا للإسلام نصر عليه بالنواجذ إن شاء الله، لكن ذلك لا يعني الجمود والتخلف عن ركب التطور العلمي والحضاري.

ويجب أن نستفيد من حق الاجتهاد بل واجب الاجتهاد على الأمة في كل عصر، لمراجعة الآراء والأحكام لنتأكد من توفر الأدلة والبراهين الصحيحة لها.

إن فهم علماء السلف الماضين للنصوص الشرعية ليس ملزماً لأجيال علماء الأمة اللاحقين، كما أن ثبوت بعض الأحاديث عند بعضهم في الماضي لا يسلبنا حق البحث والتأكد من ثبوتها بدراسة السند والمتن على ضوء القواعد العلمية والأصول الشرعية الثابتة.

إننا نقرأ عن الاختلاف في الرأي العقدي والفقهي بين الصحابة، ثم بين التابعين، ثم بين تابعي التابعين، وأئمة المذاهب، ثم بين العلماء ذوي المكانة في الفكر والفقه الإسلامي، وهذا يعني مشروعية الاختلاف، وفاعلية النظر والاجتهاد، وهي مشروعية مستمرة، وفاعلية دائمة، لا يصح لأحد أن يوقفها عند حد زمني معين، بحيث يسلب حق النظر والاجتهاد من العلماء المعاصرين.

بالطبع لا بد وأن يكون ذلك ضمن مرجعية الكتاب والسنة، ووفق قواعد وأصول العلم الشرعي.

* على المستوى العملي للحوار الوطني هل تتوقع أن تخرج المرأة بشيء عملي يعزز مكانتها الاجتماعية بحيث تأخذ حقوقها على أكمل وجه؟

إن مشاركة المرأة في المؤتمر بشكل جيد حيث تمثل حوالي نصف عدد المشاركين، يزيد في توقعاتنا من إحراز المؤتمر لنتائج طيبة تكون في صالح المرأة، وبالتالي لصالح المجتمع كله.

لكننا نعلم أن بين التوصيات والنتائج وبين التنفيذ الفعلي مسافة لا بد أن تتضافر جهود ولاة الأمر وجهود المواطنين وخاصة الشريحة الواعية من أجل تجاوزها.

وقد تحتاج بعض القرارات إلى تهيئة المناخ الصالح لتطبيقها بقدر أقل من المشاكل والإشكاليات.

* ما تقييمك العام لتأثير الحوارات الوطنية على اللحمة الوطنية في المملكة؟

أرى أن تأثير الحوار كان جيداً على مستوى تعزيز اللحمة الوطنية وتصليب الوحدة الوطنية، حيث تجلّت من خلال الحوار حقيقة المصلحة المشتركة والمصير المشترك، فأي خلل أو ضرر لن يقتصر على طرف دون آخر، كما أصبحت الأخطار التي تحدق بالوطن واضحة للعيان من تهديد للأمن والاستقرار عبر أعمال العنف والإرهاب والتي تهدد أمن الجميع، كما رأينا حصول أعمال الإرهاب الفظيعة في مناطق مختلفة، راح ضحيتها أبرياء من مختلف الشرائح، وهناك الضغوط والتحديات الخارجية التي تستهدف كل الوطن والمواطنين، إن الإجراءات المشددة مثلاً التي يتخذها الأمريكيون الآن تجاه السعوديين المسافرين لأمريكا مثلاً لا تميّز بين سعودي وآخر.

كما أن ما يحدث في البلدان المجاورة لنا يجب أن نأخذ منه أفضل الدروس والعبر لصالح الوحدة الوطنية، فالاحتلال الأمريكي للعراق، أصاب سيادة العراقيين واستقلالهم وكرامتهم دون تمييز بين أعراقهم ومذاهبهم، فكما حوصرت الفلوجة انتهكت حرمة الأماكن الدينية في النجف وكربلاء وكما يغتال علماء من السنة تجري تصفية علماء وشخصيات من الشيعة، والعراقيون الذين ذاقوا مرارة التعذيب والإذلال في سجون أبوغريب هم من مختلف قوميات العراق ومذاهبه.

لذلك فإن الحوار الوطني جاء في الوقت الخطير الذي تتأكد فيه ضرورة الوحدة وواجب التلاحم بين فئات الشعب وبين القيادة والمواطنين.

* تتعدد الأفكار والرؤى بين المجتمعين في الحوار الوطني وينطلق كل صاحب رأي من مفاهيمه التي يراها صحيحة فهل تعتقد أن مسألة الحوار الوطني تجمع الأفكار المختلفة أصلاً حول رأي واحد يعالج الأمور بشكل موحد علماً أن هناك خلافات جذرية بين أكثر من شخصية شاكت في الدورتين السابقتين؟

الحوار يعطي الفرصة لتوضيح الآراء المختلفة ولمراجعتها، فلو بقي كل صاحب رأي في صومعته، ولم يلتق بالآخر ولم يسمع منه، لما عرف حقيقة الرأي الآخر ومنطلقاته وأدلته، كما أن صاحب الرأي عند اطلاعه على الرأي المخالف، وسماعه للنقد لرأيه قد يجد نفسه مدعواً لمراجعة رأيه وهذا هو نهج العقلاء، بخلاف طريقة المتحيزين المتعصبين، وذلك هو أدب القرآن حيث يقول تعالى ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ  الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.

وإلى جانب فرصة التوضيح والمراجعة فإن الحوار يمنح فرصة التكامل والتقارب بين الآراء، فحتى لو بقيت الآراء مختلفة لكن الحوار قد يقلل من درجة الاختلاف، فإذا كانت 100% قد تنخفض إلى 70% أو 50% أو أقل أو أكثر، وقد نصل إلى مستوى التكامل بأن يصبح هناك رأي متوازن يأخذ إيجابية الرأيين ويتلافى النقاط السلبية فيهما.

وأخيراً فإن الحوار يعيد الاختلاف إلى إطاره العلمي وينزع عنه المضاعفات الانفعالية.