الخلافات الزوجية

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين.



من وظائف الزواج الأساسية تحقيق الاطمئنان والاستقرار النفسي، حيث يجد كل من الزوجين في الآخر مبعث سرور وارتياح، وسند تعاطف ودعم، في مواجهة مشاكل الحياة، وتلبية احتياجاتها.

لذلك يعبّر القران الكريم عن العلاقة الزوجية بأنها سكن وملجأ، يأوي إليه الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً سورة الروم ـ آية 21. ولا يحصل السكون والاطمئنان في الحياة الزوجية، إلا إذا كانت العلاقة بين الزوجين في إطار المودة والرحمة، والمودة تعني الحب والانشداد العاطفي، والرحمة تعني رفق كل منهما بالآخر، وشفقته عليه.

وذلك هو أرضية التوافق الزواجي، والذي لا تحقق الحياة الزوجية أغراضها إلا بوجوده. ويعني التوافق الزواجي: قدرة كل من الزوجين على التواؤم مع الآخر، ومع مطالب الزواج. ونقيض التوافق حالة التنافر، والتي تبدأ بحصول انطباعات سلبية من أحد الزوجين تجاه الآخر، أو من كليهما، وبصدور ممارسات وتصرفات من أحدهما مخالفة لرغبة الآخر، أو من كليهما، مما يلبّد سماء الحياة الزوجية بغيوم الخلاف والنزاع، ويكدّر صفوها بشوائب الأذى والانزعاج.

إن الخلافات والمشاكل في الحياة الزوجية، إذا لم تعالج تسلب الطرفين راحتهما وسعادتهما، وتُفقدهما أهم ميزات وخصائص الارتباط الزواجي، ويضغط الخلاف العائلي على الإنسان أكثر من أي خلاف آخر، لأنه يقع في أقرب الدوائر والحلقات إلى ذاته.

كما تنعكس الخلافات العائلية على تربية الأولاد، فتتمزق نفوسهم، وتضيع حقوقهم، ويستقبلون الحياة من خلال أجواء سيئة ملوثة،

بالطبع مهما كانت درجة التوافق الزواجي عالية، فإنها لا تمنع حصول بعض الخلافات والإشكالات، فيما بين الزوجين، بخاصة في السنوات الأولى من الزواج، حيث تكون خبرة كل منهما بالآخر قليلة، والثقة في بدايتها، لكن أسلوب التعامل، مع المشاكل الحادثة، إذا كان واعياً ناضجاً، فإنه يمنع تفاقمها وتطورها، بل يحوّلها إلى مصدر إغناء وحماية لتجربة التوافق بين الزوجين.

أسباب المشاكل:


لا أحد من الزوجين يرغب في وجود مشاكل في حياته الزوجية، بل يتمنيان السعادة والانسجام، لكن هناك عوامل وأسباباً، تنشأ وتنمو في ظلها الخلافات والمشاكل العائلية، منها أسباب ذاتية، تعود إلى ضعف ثقافة العلاقات الزوجية، حيث يعتمد الأزواج الجدد في بناء حياتهما الزوجية، على الاندفاع العاطفي، ومحاكاة الحالة القائمة في المجتمع، وعلى الإدراك العفوي البسيط لطبيعة العلاقة الزوجية، دون أن يتوفروا على معرفة مناسبة لتشريعات الإسلام وتعاليمه، فيما يرتبط بالحقوق المتبادلة بين الزوجين، وبآداب وأخلاق التعامل العائلي. ودون إطلاع كاف على الأبحاث والتوجيهات العلمية المتخصصة.

ومن الأسباب الذاتية انحراف المزاج وسوء الأخلاق، والذي قد يكون لدى أحدهما أو كليهما، وبمقدار ذلك تحدث الخلافات والأزمات، إن لم يكن الطرف الآخر قادراً على الاستيعاب والتكيف.

وهناك أسباب خارجية، منها تدخلات بعض أهالي الزوجين، ومنها الصعوبات الحياتية المعيشية، فكثير ما تنعكس الأزمات الاقتصادية للعائلة، على التوافق الزواجي.

الوعي والثقافة الزوجية:


الوعي الحياتي للزوجين، وتوفرهما على مستوى من الثقافة الزوجية، يشكل عامل وقاية وحصانة من نشوب الخلافات الضارة، أو اشتدادها وتفاقمها.

ومهما كانت درجة التوافق الزواجي فإن حصول شيء من الخلاف أمر محتمل ومتوقع، وخاصة عند مواجهة الأزمات والصعوبات، وهنا يأتي دور الوعي ونضج الشخصية، لمعالجة الموقف بتعقل وحكمة، بعيداً عن التشنج والانفعال، الذي يحوّل المشكلة البسيطة إلى قضية معقّدة.

والتعاليم الدينية التي تتحدث لكل من الزوجين حول حقوق الآخر وفضله ومكانته، وتحث على احترامه وخدمته، وتحمّل ما قد يصدر منه من أخطاء أو تقصير، إنما تريد تعزيز المناعة في نفسية الطرفين، تجاه ما قد يواجههما من مشاكل في علاقتهما الزوجية.

فهناك نصوص دينية كثيرة تخاطب الزوج ليعرف قدر زوجته، وليحسن معاشرتها، وليتحمل مسؤوليته تجاهها. ففي موارد متعددة يؤكد القرآن الكريم على معاشرة الزوجة بالمعروف، يقول تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ سورة النساء ـ آية 19، ويقول تعالى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ سورة البقرة ـ آية 231. وينهى الله تعالى الرجل عن توجيه أي مضايقة لزوجته أو إنزال أي ضرر بها، في شرائط حياتها المعيشية كالسكن، حتى ولو كانت مطلقة، ما دامت في فترة العدة الرجعية، يقول تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ سورة الطلاق ـ آية6.

وفي السنة الشريفة أحاديث وروايات كثيرة بهذا الاتجاه كقوله : «ما زال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة»[1] ، وعنه : «ألا ومن صبر على خلق امرأة سيئة الخلق واحتسب في ذلك الأجر أعطاه الله ثواب الشاكرين في الآخرة.»[2] 

«وعنه : ((ألا خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي))[3] ، وعنه : ((قول الرجل للمرأة: إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً))»[4] .

«وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله (جعفر الصادق) : ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال : يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها. وقال : ((كانت امرأة عند أبي تؤذيه فيغفر لها)).»[5] 

وعن الإمام الصادق : «رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته»[6] ، وعن الإمام الصادق : «لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها.»[7] 

من ناحية أخرى هناك نصوص دينية تخاطب الزوجة، لتذكرها بفضل الزوج، ودوره ومكانته في حياتها الزوجية، وأن عليها أن تحترم مقامه كربّ للأسرة، ومتحمل لأعبائها ومسؤولياتها.

«روت أم المؤمنين عائشة عن رسول الله أنه قال: ((أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها))[8] ، وعنه : ((لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدّي المرأة حق ربها حتى تؤدّي حق زوجها)).»[9] 

«وعن حصين بن محصن الأنصاري أن عمته أتت النبي فقال لها: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم. قال : أنظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك.»[10] 

وعنه : «إنه ليس من امرأة أطاعت وأدت حق زوجها، وتذكر حسنته، ولا تخونه في نفسها وماله إلا كان بينها وبين الشهداء درجة واحدة في الجنة»)).[11] 

الإرشاد والتوعية:


إن إجراء عقد الزواج بالإيجاب من قبل الزوجة أو وكيلها، والقبول من طرف الزوج أو وكيله، يعني توقيعهما على اتفاقية مشتركة، ينبغي أن يسبقها معرفة واضحة من كليهما بما تلزمه هذه الاتفاقية من واجبات تجاه الآخر، وما تعطيه من حقوق على الآخر. لكن مثل هذه المعرفة الواضحة بالواجبات والحقوق الزوجية، قد لا تتوفر لكثير ممن يدخلون عش الزواج الذهبي.

ومن الملحوظ أن التصدي للأعمال الهامة يأتي بعد التأهيل والاستعداد المناسب لإنجازها، فقيادة الطائرة، أو حتى السيارة، ومباشرة العمل الطبي، بل حتى التمريض، وكذلك التعليم وما شابه من الأعمال والمهام، عادة ما يسبقها تأهيل وإعداد، لكن الحياة الزوجية على أهميتها يدخلها الشاب والفتاة، دون التوفر على برنامج تأهيلي إرشادي، ودون الحصول على مستوى من الثقافة والمعرفة، لطبيعة هذه العلاقة الزوجية، ووظائفها وآدابها، ومواجهة ما قد يعترضها من عراقيل وصعوبات.

إن ذلك يجب أن تتكفله مناهج التعليم في المرحلة الثانوية والجامعية، ويجب أن يسبق عقد الزواج إرشاد توعوي، ولو عن طريق التثقيف الذاتي، بأن يعطى كل من الزوجين بحوثاً تتضمن تعاليم الإسلام في تسيير الحياة الزوجية، بوسائل مقروءة أو مسموعة.

وقد بادرت بعض المؤسسات الاجتماعية لعقد دورات تثقيفية توعوية لمجاميع من المقبلين على الحياة الزوجية، وهو برنامج مفيد جداً، ينبغي أن يتحول إلى سنَّة حسنة، ليساعد أبناءنا وبناتنا على النجاح في حياتهم الزوجية، خاصة ونحن نعيش ظرفاً زادت فيه حدة المشاكل العائلية، وارتفعت وتيرة الطلاق، كما تتحدث الأرقام والإحصائيات.
[1]  المجلسي: محمد باقر/ بحار الأنوار ج100 ص253.

[2]  المصدر السابق ص 244.

[3]  الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة – حديث رقم 25340.

[4]  المصدر السابق- حديث رقم 24930.

[5]  المصدر السابق- حديث رقم25330.

[6]  المصدر السابق- حديث رقم 25334.

[7] المجلسي: محمد باقر/ بحار الأنوار ج75 ص237.

[8]  الهندي: علي المتقي/ كنز العمال- حديث رقم 44771.

[9]  المصدر السابق- حديث رقم 44776.

[10]  المصدر السابق- حديث رقم 44796.

[11]  المصدر السابق- حديث رقم 44804.