وافتتح سماحة الشيخ محاضرته بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم): «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
ومما جاء في هذه المحاضرة:
العائلة هي أقرب دائرةٍ للإنسان، والتصاقه بها التصاقاً مباشراً، ووضع الإنسان يتأثر تأثيراً مباشراً بالحالة التي تعيشها العائلة، فكلما كانت أجواء العائلة سعيدة ومطمئنة، فإن ذلك ينعكس على الإنسان نفسه باعتباره جزءً من هذه العائلة.

أما إذا كانت الحياة العائلة تعيش وضعاً سيئاً، فإن لذلك عدة سلبيات تفرضها الحالة على جميع أفراد العائلة:"/>

الرسول (ص) في حياته العائلية

مكتب الشيخ حسن الصفار محرر الموقع
في ذكرى رحيل الرسول الأعظم ألقى سماحة الشيخ حسن الصفار محاضرة في حسينية بن جمعة بمدينة تاروت، ليلة السبت، 28 / 2 / 1423 هـ، تحت عنوان: الرسول في حياته العائلية.

وإليكم مقتطفاتٌ من هذه المحاضرة:

قال رسول الله : «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»

العائلة وتأثيرها المباشر على أفرادها


العائلة هي أقرب دائرةٍ للإنسان، والتصاقه بها التصاقاً مباشراً، ووضع الإنسان يتأثر تأثيراً مباشراً بالحالة التي تعيشها العائلة، فكلما كانت أجواء العائلة سعيدة ومطمئنة، فإن ذلك ينعكس على الإنسان نفسه باعتباره جزءً من هذه العائلة.

أما إذا كانت الحياة العائلة تعيش وضعاً سيئاً، فإن لذلك عدة سلبيات تفرضها الحالة على جميع أفراد العائلة:

أولاً- في ظل الأجواء العائلية السيئة يتدمر الإنسان نفسياً، ويعيش الاضطراب والقلق والشقاء النفسي. وبالتالي يتأثر سلوكه ووضعه الخارجي الاجتماعي. وهذا الأثر يشمل جميع أفراد الأسرة: الأب، والأم، والأبناء، والبنات. ولأن الإنسان ملتصقاً بعائلته فإنه لا يجد مفراً من التأثيرات التي تتركها الحالة السيئة للعائلة.

ثانياً- العائلة نفسها تعيش الشقاء، إذا لم يكن هناك انسجاماً بين أفراد العائلة فإن ذلك يترك أثراً خطيراً على وضعية العائلة. ولذا حذر الإسلام من سوء الأخلاق وسوء التعامل في ظل الدائرة الأسرية، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «لا يكن أهلك أشقى الناس بك».

ثالثاً- الحالة السيئة للعائلة تترك آثاراً تربوية على الأبناء والبنات. لأن الأبناء والبنات يأخذون من أخلاق الوالدين، ولذلك الحياة العائلية المضطربة تنتج أولاداً مضطربين. وتقول إحدى الإحصائيات أن 50% من الذين يشكون من ضعفٍ في دراستهم سببه الاضطراب الذي تعيشه عائلاتهم.
لكل ذلك أصبح من الضروري جداً الاهتمام بالحياة العائلية، وتقع المهمة الأكبر على عاتق الرجل، لأنه المحور الأساس في العائلة، وبإمكانه أن يوجه العائلة التوجيه السليم ليجنبها الآثار السيئة. ولذا نجد أن الرسول الأعظم يقول: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».

الرسول الأعظم النموذج الأرقى في التعامل العائلي


الرسول الأعظم مع عظمته ومسؤولياته تجاه الدعوة وبناء الأمة الإسلامية، ولكن كل ذلك لم يؤثر على اهتمامه وحسن تعامله مع عائلته. فكيف كان يتعامل الرسول الأعظم مع عائلته؟

أولاً: مع زوجاته.

كان رسول الله يتعامل مع زوجاته تعامل احترامٍ وتقدير، وقد ورد عنه العديد من الروايات في هذا الجانب، منها: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، وخيركم خيركم لنسائهم » «خدمتك لزوجتك صدقة». ولم تتحدث واحدةٌ من زوجات الرسول الكريم بأنه أساء إلى واحدةٍ منهن، أو خالف بعض الآداب والاحترام مع واحدةٍ منهن. بل كان يتحمل أخطاء زوجاته. سئلت السيدة عائشة: كيف كان رسول الله معكن؟ قالت: إنه يخدم في البيت معنا، يُقطّع اللحم، ويقمُّ البيت –أي يكنسه- ويعين الخادم في خدمته.

ثانياً- مع ابنته الزهراء (عليها السلام).

يقول الرسول الأعظم : «لجلوس أحدكم مع عياله ساعة أفضل من اعتكاف سنةٍ في مسجدي هذا». الأبناء بحاجة إلى العطف والحنان كحاجتهم للباس والغذاء، وعدم اهتمام البعض بهذا الجانب خطاٌ كبيرٌ جداً بحق الأبناء.
رسول الله كان يغمر أبناءه بالعطف والحنان، يقول أنس بن مالك: ما رأيت أحداً أرحم وأرأف بعياله من رسول الله. ومثل هذا الروايات ليست فقط لبيان فضل ومقام لأبناء وبنات الرسول (عليهم السلام) وإنما هي تربية وتعليم من رسول الله للأمة جمعاء.
كيف كانت علاقة الرسول الأعظم مع بضعته فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟
كان من خلال علاقته مع ابنته الزهراء (عليها السلام) يريد أن يبين لنا كيف أن البنت التي يحترمها أبوها ويحبها ويقدرها تكون أقدر على مواجهة المحاولات المنحرفة من قبل الطائشين. أما البنت التي تعيش جفافاً عاطفياً فإنها تكون معرضةً لمثل هذه الأمور.
تقول السيدة عائشة: ما رأيت أحب إلى قلب رسول الله من ابنته فاطمة، إذا أقبلت عليه قام لها واستقبلها وقبّلها وأجلسها في مكانه.

ثالثاً- مع الحسنين (عليهما السلام).

كيف كان يتعامل رسول الله مع حفيديه الحسنين (عليهما السلام)؟ قال أحد الأصحاب: رأيت رسول الله وهو يحمل الحسن على عاتقه الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر يلثم هذا تارة ويلثم هذا تارةً أخرى، فقال أحد الأصحاب: إنك لتُحبهما! قال : «نعم إني لأحبهما، أحب الله من أحبهما، وأبغض الله من أبغضهما». فكان رسول الله يغمر الحسنين بالحب والحنان.

ولذلك علينا أن نتصور مدى الفراغ والألم والحزن النفسي لدى فاطمة الزهراء والحسنين لفقدهم رسول الله ، فهو أب غير عادي، وذلك لأن:

أولاً- مكانته العظيمة، فهو رسول الله الأعظم ، وهو خير خلق الله.
وثانياً- كان يملاً قلوبهم بالحب والعطف والشفقة والحنان والرحمة.

لذلك نجد كيف أن الزهراء (عليها السلام) أصبحت في حالةٍ غير طبيعية بعد رحيل المصطفى ، لأن الأب الذي فارقها كانت علاقته معها علاقةً غير طبيعية،. وليس من العجب أن لا تبقى الزهراء (عليها السلام) بعد أبيها سوى خمساً وسبعون يوماً.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

  • بإمكانكم الاستماع للمحاضرة من موقعها في الموقع.